Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-5)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلْفَجْرِ } أي : الصبح كقوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [ التكوير : 18 ] أقسم تعالى بآياته ، لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضَّوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات ، لطلب الأرزاق . وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم . وفيه عبرة لمن تأمل . { وَلَيالٍ عَشْرٍ } هي ، على قول ابن عباس ومجاهد ، عشر ذي الحجة ، لأنها أيام الاهتمام بنسك الحج . وفي البخاري عن ابن عباس مرفوعاً : " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " يعني : عشر ذي الحجة . وحكى ابن جرير أنه قيل : عني بها عشر المحرم . والرازي ، قولاً أنها العشر الأواخر من رمضان ، لما فيه من ليلى القدر ، ولما صح " أنه صلوات الله عليه كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان شدّ مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله " وثمة وجه آخر في العشر . وهو أنها الليالي التي ُيحلو لك فيها الليل ويشتد ظلامه ويغشى الأفق سواده . وتلك خمس من أوائله وخمس من أواخره . وإن لفظة { عَشْرٍ } بمثابة قوله في السور الآتية { إِذَا يَغْشَىٰ } [ الليل : 1 ] { إِذَا سَجَىٰ } [ الضحى : 2 ] مما يبين وجه العبرة ويجليها أتم الجلاء ، ولا بعد في هذا المعنى . بل فيه توافق لبقية الآيات . وبالجملة فأوضح المخصصات ما عضده دليل أو أيدته قرينة أو حاكى نظائره . والله أعلم . { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } يعني : الخلق والخالق . فالشفع بمعنى جميع الخلق ، للازدواج فيه كما في قوله تعالى : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] قال مجاهد : كل خلق الله شفع . السماء والأرض . والبر والبحر . والجن والإنس . والشمس والقمر . والكفر والإيمان . والسعادة والشقاوة . والهدى والضلالة . والليل والنهار . { وَٱلْوَتْرِ } : هو الله تعالى لأنه من أسمائه . وهو بمعنى الواحد الأحد . فأقسم الله بذاته وخلقه . وقيل : المعنى بالشفع والوتر : جميع الموجودات من الذوات والمعاني ؛ لأنها لا تخلوا من شفع ووتر . قال القاضي : ومن فسرهما بالبروج والسيارات أو شفع الصلوات ووترها أو بيومي النحر وعرفة ، فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول ، ما رآه أظهر دلالة على التوحيد ، أو مدخلاً في الدين ، أو مناسبة لما قبلهما . قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر ، ولم يخصص نوعاً من الشفع ولا من الوتر ، دون نوع ، بخبر ولا عقل ، وكل شفع ووتر فهو مما أقسم به . مما قال أهل التأويل أنه داخل في قسمه هذا ، لعموم قسمه بذلك . وقد قرئ ( الوتر ) بفتح الواو وكسرها . وهما لغتان . { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } أي : إذا يمضي ، كقوله : { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [ المدثر : 33 ] والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة . ففي الليل الراحة التي هي من أعظم النعم . وفي النهار المكاسب وغيرها . وحذف الياء للتخفيف ولتتوافق رؤوس الآي . ومن القراء من حذفها وصلا ووقفا . ومنهم من خصه بأحدهما ، كما فصل في كتب الأداء . { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } قال ابن جرير : أي هل فيما أقسمت به من هذه الأمور مقنع لذي حجر . وإنما عُني بذلك : أن في هذا القسم مكتفى لمن عقل عن ربه ، مما هو أغلظ منه في الأقسام . وقال الرازي : المراد من الاستفهام : التأكيد . كمن ذكر حجة باهرة ثم قال : هل فيما ذكرته حجة ؟ والمعنى : أن من كان ذا لُبّ علم أن ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية . فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه . أي : على طريقة قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 76 ] وإنما أوثرت هذه الطريقة هضما للخلق ، وإيذاناً بظهور الأمر . و ( الحجر ) : العقل ؛ لأنه يحجر صاحبه ، أي : يمنعه من ارتكاب ما لا ينبغي . والمقسم عليه محذوف . وهو ( ليعذبن ) كما ينبئ عنه قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ … } .