Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 6-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } أي : ألم تعلم علماً يقينياً كيف عذب ربك عاداً ، فيعذب هؤلاء أيضاً ، لاشتراكهم فيما يوجبه من جحود الحق والمعاصي . و ( عَادٍ ) قبيلة من العرب البائدة . وتلقب بإرم أيضاً . وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هوداً عليه السلام . فكذبوه فأهلكهم بريح صرصر عاتية . فقوله تعالى : { إِرَمَ } عطف بيان لعاد { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } أي : ذات الخيام المعمدة ؛ لأنهم كانوا أهل عمد ينتجعون الغيوث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان . ثم يرجعون إلى منازلهم في الأحقاف في حضرموت . وقيل : كني بالعماد عن العلو والشرف والقوة . إلا أن الأشبه - كما قال ابن جرير - بظاهر التنزيل هو الأول . وهو أنهم كانوا أهل عمد سيارة ؛ لأن المعروف في كلام العرب من العماد ، ما عُمد به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء . ثم قال : وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه ، ما وُجِدَ إلى ذلك سبيل ، دون الأنكر . { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } أي : في العظم والبطش والأيدي . قال ابن كثير : كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشاً . ولهذا ذكرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم . فقال : { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الأعراف : 69 ] وقال تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] . تنبيه قال الإمام الدراكة ابن خلدون في ( مقدمة ) تاريخه في سياق الأخبار الواهية للمؤرخين ما مثاله : وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة ( والفجر ) في قوله تعالى : { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } فيجعلون لفظه { إِرَمَ } اسما لمدينة وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين ، وينقلون أنه كان لعاد بن عوص بن إرم ابنان . هما شديد وشداد . ملكا من بعده . وهلك شديد فخلص الملك لشداد . ودانت له ملوكهم وسمع وصف الجنة فقال لأَبنينَّ مثلها . فبنى مدينة ( إرم ) في صحاري عدن في مدة ثلاثمائة سنة . وكان عمره تسعمائة سنة . وأنها مدينة عظيمة قصورها من الذهب وأساطينها من الزبرجد والياقوت . وفيها أصناف الشجر والأنهار المطردة . ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته . حتى إذا كان منها على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا كلهم . ذكر ذلك الطبري والثعالبي والزمخشري وغيرهم من المفسرين . وينقلون عن عبد الله بن قلابة ، من الصحابة ، أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها وحمل منها ما قدر عليه . وبلغ خبره إلى معاوية فأحضره وقص عليه . فبحث عن كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال : هي { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له . ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال : هذا ، والله ، ذاك الرجل . قال ابن خلدون : وهذه المدينة لم يسمع لها خبر من يومئذ في شيء من بقاع الأرض . وصحاري عدن التي زعموا أنها بنيت فيها هي في وسط اليمن وما زال عمرانه متعاقباً . والأدلاّء تقص طرقه من كل وجه . ولم ينقل عن هذه المدينة خبر ولا ذكرها أحد من الأخباريين ولا من الأمم ، ولو قالوا : إنها درست فيما درس من الآثار لكان أشبه . إلا أن ظاهر كلامهم أنها موجودة . وبعضهم يقول : إنها دمشق ، بناء على أن قوم عاد ملكوها . وقد انتهى الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبة ، وإنما يعثر عليها أهل الرياضة والسحر . مزاعم كلها أشبهُ بالخرافات . والذي حمل المفسرين على ذلك ما اقتضته صناعة الإعراب في لفظه { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } أنها صفة { إِرَمَ } وحملوا العماد على الأساطين . فتعين أن يكون بناء . ورشح لهم ذلك قراءة ابن الزبير ( عاد إرم ) على الإضافة من غير تنوين . ثم وقفوا على تلك الحكايات التي هي أشبه بالأقاصيص الموضوعة التي هي أقرب إلى الكذب المنقولة في عداد المضحكات . وإلا فالعماد هي عماد الأخبية بل الخيام . وإن أريد بها الأساطين ، فلا بدع في وصفهم بأنهم أهل بناء وأساطين على العموم . بما اشتهر من قوتهم . لا أنه بناء خاص في مدينة معينة أو غيرها . وإن أضيفت كما في قراءة ابن الزبير ، على إضافة الفصيلة إلى القبيلة ، كما تقول : قريش كنانة وإلياس مضر ، وربيعة نزار . وأي ضرورة إلى هذا المحمل البعيد الذي تمحلت لتوجيهه لأمثال هذه الحكايات الواهية التي ينزه كتاب الله عن مثلها لبعدها عن الصحة ؟ انتهى . وسبقه الحافظ ابن كثير في تفسيره حيث قال : ومن زعم أن المراد بقوله : { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } مدينة إما دمشق أو اسكندرية ، ففيه نظر . فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا ، إن جعل { إِرَمَ } بدلا أو عطف بيان ؟ فإنه لا يتسق الكلام حينئذ . ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد ، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد ، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم . قال : وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية ، من ذكر مدينة يقال لها { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } ، مبنية بلبن الذهب والفضة إلخ . فإن هذا كله من خرافات الإسرائيلين ، من وضع بعض زنادقتهم ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس ؛ إن صدقهم في جميع ذلك . وحكاية عبد الله بن قلابة الأعرابي ليس يصح إسنادها . ولو صح إلى ذلك الأعرابي ، فقد يكون اختلق ذلك ، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال ، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج ، وليس كذلك . وهذا مما يقطع بعدم صحته . وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتخيلين ، من وجود مطالب تحت الأرض ، فيها قناطير الذهب والفضة وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير . لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها . فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء . فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير ، ونحو ذلك من الهذيانات . ويطنزون بهم . والله سبحانه وتعالى الهادي للصواب . انتهى .