Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 21-26)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَلاَّ } ردع لهم عن ذلك ، وإنكار لفعلهم . وما بَعْدَهُ وعيد عليه بالإخبار عن ندمهم وتحسرهم حين لا ينفعهم الندم { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } أي : دكا بعد دك حتى عادت هباءً منثوراً . قال الشهاب : ليس الثاني تأكيدا ، بل التكرير للدلالة على الاستيعاب . كقرأت النحو باباً باباً . وجاء القوم رجلاً رجلاً ، و ( الدك ) قريب من الدق ، لفظاً ومعنى { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } قال ابن كثير : أي : وجاء الرب ، تبارك وتعالى ، لفصل القضاء ، كما يشاء . والملائكة بين يديه صفوفاً صفوفاً . وسبقه ابن جرير إلى ذلك وعضده بآثار عن ابن عباس وأبي هريرة والضحاك في " نزوله تعالى من السماء يومئذ في ظلل من الغمام ، والملائكة بين يديه ، وإشراق الأرض بنور ربها " ومذهبُ الخلف في ذلك معروف ، من جعل الكلام على حذف مضاف ، للتهويل . أي : جاء أمره وقضاؤه . أو استعارة تمثيلية لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قهره وسلطانه . قال الزمخشري : مثلت حاله في ذلك ، بحال الملك إذا حضر بنفسه ، ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم . انتهى . وكأنَّ الخلاف بين المذهبين لفظي ، إذ مبني مذهب الخلف على أن الظاهر غير مراد . ويعنون بالظاهر ما للخلق مما يستحيل على الخالق ، فوجب تأويله . وأما السلف فينكرون أن معنى الظاهر منها ما للخلق . بل هو ما يتبادر إلى فهم المؤمن الذي يعلم أن ذاته تعالى ، كما أنها لا تشبه الذوات ، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات . لأنها لا تكيف ولا تعلم بوجهٍ ما . فهي حقيقة النسبة إليه سبحانه ، على ما يليق به . كالعلم والقدرة . لا تمثيل ولا تعطيل . قال الإمام ابن تيمية رضي الله عنه : واعلم أن من المتأخرين من يقول إن مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به ، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد . وهذا لفظ مجمل . فإن قوله : ( ظاهرها غير مراد ) يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين . مثل أن يراد بكون الله قِبلَ وجه المصلِّي ، أنه مستقر في الحائط الذي يصلي إليه ، و ( إن الله معنا ) ظاهره أنه إلى جانبنا ، ونحو ذلك . فلا شك أن هذا غير مراد ، ومن قال إن مذهب السلف أن هذا غير مراد ، فقد أصاب في المعنى ، لكن أخطأ في إطلاق القول بأن هذا ظاهر الآيات والأحاديث . فإن هذا المجال ليس هو الظاهر على ما قد بيناه في غير هذا الموضع . اللهم إلا أن يكون هذا المعنى الممتنع صار يظهر لبعض الناس فيكون القائل لذلك مصيباً بهذا الاعتبار ، معذوراً في هذا الإطلاق . فإن الظهور والبطون قد يختلف باختلاف أحوال الناس ، وهو من الأمور النسبية . انتهى . وقد بسط رحمه الله الكلام على ذلك في ( الرسالة المدنية ) : وأوضح أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، يحتذي حذوه ويتبع فيه مثاله . فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية . وقال رحمه الله في بعض فتاويه : نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله . وبالتأويل الجاري على نهج السبيل . ولم يوجد في شيء من كلامنا وكلام أحد منا ، أنا لا نقول بالمجاز والتأويل . والله عند لسان كل قائل . ولكن ننكر من ذلك ما خالف الحق والصواب ، وما فتح به الباب ، إلى هدم السنة والكتاب واللحاق بمحرفة أهل الكتاب . والمنصوص عن الإمام أحمد وجمهور أصحابه ؛ أن القرآن مشتمل على المجاز . ولم يعرف عن غيره من الأئمة نص في هذه المسألة . وقد ذهب طائفة من العلماء من أصحابه وغيرهم ، كأبي بكر بن أبي داود ، وأبي الحسن الخرزي ، وأبي الفضل التميمي ، وابن حامد فيما أظن وغيرهم ، إلى إنكار أن يكون في القرآن مجاز . وإنما دعاهم إلى ذلك ما رَأَوْهُ من تحريف المحرفين للقرآن بدعوى المجاز . فقابلوا الضلال والفساد ، بحسم المواد . وخيار الأمور التوسط والاقتصاد . انتهى . { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } أي : أظهرت حتى رآها الخلق وعلم الكافر أن مصيره إليها . فمجيئها متجوز به عن إظهارها . كما صرح به آية { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } [ النازعات : 36 ] { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ } تفريطه في الدنيا في طاعة الله وفيما يقرب إليه من صالح الأعمال { وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي : منفعتها . فالمراد بتذكره ندامته على تفريطه في الصالحات من الأعمال التي تورثه نعيم الأبد ، كما فسره بقوله تعالى : { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } أي : أسلفت من الأعمال الصالحة لحياتي هذه . فاللام للتعليل . أو : قدمت وقت حياتي . فاللام بمعنى وقت . والحياة هي التي في الدنيا { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي : لا يعذب كعذاب الله أحدٌ في الدنيا { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } أي : لا يوثق كوثاقه يومئذ أحد في الدنيا . وقرئ " يعذب ويوثق " على بناء المجهول . قال السمين : وعذاب ووثاق في الآية ، واقعان موقع تعذيب وإيثاق . والمعنى لا يعذب أحد تعذيباً مثل تعذيب الله هذا الكافر . ولا يوثق أحد إيثاقاً مثل إيثاق الله إياه بالسلاسل والأغلال . فالوثاق في الآية بمعنى : الإيثاق . كالعطاء بمعنى الإعطاء . ثم أشار إلى ما يقال لمن آمن وعمل صالحاً ، في مقابلة من تقدم ، بقوله تعالى : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ … } .