Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 100-100)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ } أي : ممن تقدم بالهجرة والنصرة . وقيل : عنى بالفريق الأول من صلى إلى القبلتين ، أو من شهد بدراً ، أو من أسلم قبل الهجرة وبالثاني أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة نفر ، وأهل العقبة الثانية ، وكانوا سبعين ، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير ، فعلمهم القرآن . واختار الرازيّ الوجه الأول ، وقال : والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة وفي النصرة ، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ، ولم يبين أنهم سابقون في ماذا ، فبقي اللفظ مجملاً ، إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصاراً ، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصاراً ، وهو الهجرة والنصرة ، فوجب أن يكون المراد منه السابقون الأولون في الهجرة والنصرة ، إزالة للإجمال عن اللفظ . وأيضاً فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة ، من حيث إن الهجرة فعل شاقّ على النفس ، ومخالف للطبع ، فمن أقدم عليه أولاً ، صار قدوة لغيره في هذه الطاعة ، وكان ذلك مقوّياً لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وسبباً لزوال الوحشة عن خاطره ، وكذلك السبق في النصرة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة فازوا بمنصب عظيم . وقرئ ( الأنصارُ ) بالرفع ، عطفاً على " السابقون " . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } أي : سلكوا سبيلهم بالإيمان والطاعة { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } لأن الهجرة أمر شاقّ على النفس ، لمفارقة الأهل والعشيرة . والنصرة منقبة شريفة ، لأنها إعلاء كلمة الله ، ونصر رسوله وأصحابه ، والإحسان من أحوال المقربين أو مقاماتهم - قاله المهايميّ . { وَرَضُواْ عَنْهُ } بما وفقهم إليه من الإيمان والإحسان ، وما آتاهم من الثواب والكرامة { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ } وذلك بدل ما تركوا من دورهم وأهليهم ، وبدل ما أعطوه للمهاجرين من أموالهم ، ولغرسهم جنات القرب في قلوبهم ، وإجرائهم أنهار المعارف في قلوبهم وقلوب من اتبعوهم بهذه الهجرة والنصرة والإحسان - قاله المهايميّ . وقرأ ابن كثير : { مِن تَحْتَهَا الأَنْهَارُ } كما هو في سائر المواضع . { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } لتخليدهم هذا الدين بإقامة دلائله ، وتأسيس قواعده ، إلى يوم القيامة ، والعمل بمقتضاه ، واختيار الباقي على الفاني { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي : الذي لا فوز وراءه . تنبيهات الأول : قال في ( الإكليل ) : في هذه الآية تفضيل السابق إلى الإسلام والهجرة ، وأن السابقين من الصحابة أفضل ممن تلاهم . الثاني : قيل : المراد بـ ( السابقين الأولين ) جميع المهاجرين والأنصار ، فـ ( من ) بيانية لتقدمهم على من عداهم . وقيل : بعضهم - وهم قدماء الصحابة - و ( من ) تبعيضية ، وقد اختار كثيرون الثاني ، واختلفوا في تعيينهم على ما ذكرناه أولاً ، ورأى آخرون الأول . روي عن حميد بن زياد قال : قلت يوماً لمحمد بن كعب القرظيّ : ألا تخبرني عن الصحابة فيما كان بينهم ؟ - وأردت الفتن - فقال لي : إن الله تعالى قد غفر لجميعهم ، وأوجب لهم الجنة في كتابه ، محسنهم ومسيئهم . قلت له : وفي أي موضع أوجب لهم الجنة ؟ فقال : سبحان الله ! ألا تقرأ قوله تعالى : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ … } الآية ، فأوجب للجميع الجنة والرضوان ، وشرط على تابعيهم أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة ، وألا يقولوا فيهم إلا حسناً لا سوءاً . أي لقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ … } الآية [ الحشر : 10 ] . الثالث : قال الشهاب : تقديم المهاجرين لفضلهم على الأنصار كما ذكر في قصة السقيفة ومنه علم فضل أبي بكر رضي الله عنه على من عداه ؛ لأنه أول من هاجر معه صلى الله عليه وسلم .