Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-101)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ } يعني : حول بلدتكم ، وهي المدينة { مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } أي : مرنوا ومهروا فيه . وقوله عز شأنه : { لاَ تَعْلَمُهُمْ } دليل لمرانتهم عليه ، ومهارتهم فيه ، أي : يخفون عليك ، مع علوّ كعبك في الفطنة وصدق الفراسة ، لفرط تأنقهم وتصنعهم في مراعاة التقية ، والتحامي عن مواقع التهم . قال في ( الانتصاف ) : وكأن قوله تعالى : { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } توطئة لتقرير خفاء حالهم عنه صلى الله عليه وسلم ، لما لهم من الخبرة في النفاق والضراوة به . انتهى . وقوله تعالى : { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } تقرير لما سبق من مهارتهم في النفاق ، أي : لا يعلمهم إلا الله ، ولا يطلع على سرهم غيره ، لما هم عليه من شدة الاهتمام بإبطان الكفر ، وإظهار الإخلاص . وقوله تعالى : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } للمفسرين في المرتين وجوه : إظهار نفاقهم وإحراق مسجد الضرار أو الفضيحة وعذاب القبر ، أو أخذ الزكاة ، لما أنهم يعدّونها مغرماً بحتاً ، ونهك الأبدان ، وإتعابها بالطاعات الفارغة عن الثواب . وقال محمد بن إسحاق : هو - فيما بلغني عنهم - ما هم فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذي يُرَدُّون إليه ، عذاب الآخرة ، ويخلدون فيه . قال أبو السعود : ولعل تكرير عذابهم ، لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق ، أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه . ويجوز أن يكون المراد بالمرتين مجرد التكثير ، كما في قوله تعالى : { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } [ الملك : 4 ] أي : كرة بعد أخرى ، لقوله تعالى : { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ … } [ التوبة : 126 ] . تنبيه لا ينافي قولُه تعالى : { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } قوله تعالى : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [ محمد : 30 ] ؛ لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يُعْرَفون بها ، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب ، على التعيين ، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً ، وإن كان يراه صباحاً ومساءً ، وشاهد هذا بالصحة ، ما رواه الإمام أحمد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة ، فقال : " لتأتينكم أجوركم ، ولو كنتم في جحر ثعلب " وأصغى إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فقال : " إن في أصحابي منافقين " ، أي : يرجفون ويتكلمون بما لا صحة له . وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء " أن رجلاً يقال له : حرملة أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : الإيمان هاهنا ، وأشار بيده إلى لسانه ، والنفاق هاهنا ، وأشار بيده إلى قلبه ، ولم يذكر الله إلا قليلاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ! اجعل له لسانا ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، ارزقه حبي وحب من يحبني ، وصيّرْ أمره إلى خير " . فقال : يا رسول الله ، إنه كان لي أصحاب من المنافقين ، وكنت رأساً فيهم ، أفلا آتيك بهم ؟ قال : " من أتانا استغفرنا له ، ومن أصرّ على دينه ، فالله أولى به ، ولا تخرقنّ على أحد سترا " - ورواه الحاكم أيضاً . وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال : ما بال أقوام يتكلفون علم الناس : فلان في الجنة وفلان في النار ، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري ! لعمري أنت بنصيبك أعلم منك بأحوال الناس ، ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفه الأنبياء قبلك ! قال نبيّ الله نوح عليه السلام : { قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الشعراء : 112 ] ، وقال نبيّ الله شعيب عليه السلام : { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [ هود : 86 ] وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } . لطيفة قوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } عطف على { مِمَّنْ حَوْلَكُمْ } عطف مفرد على مفرد . وقوله تعالى : { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } إما جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، مسوقة لبيان غلوّهم في النفاق ، إثر بيان اتصافهم به ، وإما صفة للمبتدأ المذكور ، فصل بينها وبينه بها ، عطف على خبره ، وإما صفة لمحذوف أقيمت هي مقامه ، وهو مبتدأ خبره . { مِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } والجملة عطف على الجملة السابقة ، أي : ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق - أفاده أبو السعود . ولما بين تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة ، رغبة عنها وتكذيباً وشكاً ، بيّن حال المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسلاً وميلاً إلى الراحة ، مع إيمانهم وتصديقهم بالحق ، فقال عز شأنه : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ … } .