Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 120-120)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } أي : المتيسر لهم ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته { وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } أي : عند توجهه إلى الغزو { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي : لا يضنوا بأنفسهم عما يصيب نفسه ، أي : لا يختاروا إبقاء أنفسهم على نفسه في الشدائد . قال الزمخشريّ : أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء ، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط ، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه ، علماً بأنها أعوز نفس عند الله وأكرمها عليه ، فإذا تعرضت ، مع كرامتها وعزتها ، للخوض في شدة وهول ، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له ، ولا يكترث لها أصحابها ، ولا يقيموا لها وزناً ، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه ، فضلاً عن أن يربأوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه . وهذا نهي بليغ ، مع تقبيح لأمرهم ، وتوبيخ لهم عليه ، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية . انتهى . روي " أن أبا ذر رضي الله عنه ، أبطأ به بعيره ، فحمل متاعه على ظهره ، واتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده : " كن أبا ذر ! " فقال الناس : هو ذاك ! فقال : " رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده " " . وروي أن أبا خيثمة الأنصاريّ رضي الله عنه ، بلغ بستانه ، وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل ، وبسطت له الحصير ، وقربت إليه الرطب ، والماء البارد . فنظر فقال : ظل ظليل ، ورطب يانع ، وماء بارد ، وامرأة حسناء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضحّ والريح ، ما هذا بخير ! فقام فرحل ناقته ، وأخذ سيفه ورمحه ، ومرّ كالريح . فمدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق ، فإذا براكب يزهاه السراب ، فقال : " كن أبا خيثمة ! " فكانه ، ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستغفر له . قال السهيليّ في ( الروض ) : كن أبا ذر ، كن أبا خثيمة ، لفظه لفظ الأمر ، ومعناه كما تقول : أسلم ، أي : سلمك الله - انتهى . وكذا قال غيره من المتقدمين كالفارسيّ ، وذكره المطرزيّ في قول الحريريّ : كن أبا زيد . وفي شعر ابن هلال : @ ومعذّر قال الإله لحسنه كُنْ فَتنةً للعالمين فَكانَهَا @@ ولم يزيدوا في بيانه على هذا ، وهو تركيب بديع غريب ، ومعناه ساقه الله إلينا ، وجعله إياه ، ليكون هو القادم علينا ، فأقيم فيه العلة مقام المعلول في الجملة الدعائية الإنشائية ، على حد قوله في الحديث : " أبْلِ وأخْلِقْ " أي : عمرك الله ، ومتعك الله بلباسك لتبلى وتخلق . وقولهم : أسلم ؛ أي : سلمك الله لتسلم ، ثم لما أقيم مقامه أبقي مسنداً إلى فاعله ، وإن كان المطلوب منه هو الله ، وهو قريب من قولهم : ( لا أرينك هاهنا ) أي : لا تجلس حتى أراك ، وهو تمثيل أو كناية . كذا في ( العناية ) . { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما دل عليه قوله : { مَا كَانَ } من النهي عن التخلف أو وجوب المشايعة { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أنهم { لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ } أي : شيء من العطش { وَلاَ نَصَبٌ } أي : تعب من السير لاسيما مع العطش { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } أي : مجاعة تضعفهم عن السير { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً } أي : لا يدوسون مكاناً { يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } أي : الذين هم أعداء الله ، وإغضاب العدوّ يفيد رضا عدوّه { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } أي : قتلاً أو هزيمة أو سراً { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : على إحسانهم . وهو تعليل لـ { كُتبَ } ، وتنبيه على أن تحمل المشاق إحسان ؛ لأن القصد به إعلاء كلمة الله تعالى .