Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 31-31)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } زيادة تقرير لما سلف من كفرهم بالله تعالى ، وفيه وصفهم بنوع آخر من الشرك . والأحبار علماء اليهود جمع ( حَبِْر ) بكسر الحاء وفتحها ، وهو العالم بتحبير الكلام وتحسينه - كذا ذكره أئمة اللغة - قال بعضهم : ( الحبر ) أعظم الأشراف بين الإسرائيليين ، يكون عندهم وسيلة للتقرب لله ، ومرتبة وراثية في آل هارون ، يكون بكر أشيخ من فيها . انتهى . و ( الرهبان ) جمع راهب بمعنى المتعبد الخاشع الزاهد ، وأصل الترهب عن النصارى ، التخلي عن أشغال الدنيا ، وترك ملاذها ، والزهد فيها ، والعزلة عن أهلها . وفي الحديث : " لا رهبانية في الإسلام " . وقوله تعالى : { أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ، قال الرازيّ : الأكثرون من المفسرين قالوا : ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، أي : لما روى الترمذيّ عن عديّ بن حاتم قال : " أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : " يا عديّ ، اطرح عنك هذا الوثن " . وسمعته يقرأ في سورة براءة : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } قال : " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " " . وروى الإمام أحمد والترمذيّ وابن جرير من طرق ، عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّ إلى الشام ، وكان قد تنصر في الجاهلية فأُسرت أخته وجماعه من قومه ، ثم منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته ، وأعطاها ، فرجعت إلى أخيها ، فرغَّبته في الإسلام ، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عديّ المدينة ، وكان رئيساً في قومه طيئ ، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم ، فتحدّث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي عنق عديّ صليب من فضة ، وهو يقرأ هذه الآية : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ، قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم ، فقال : " " بلى إنهم حرّموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عديّ ، ما تقول ؟ أيضرك أن يقال : الله أكبر ؟ فهل تعلم شيئاً أكبر من الله ؟ ما يضرك أن يقال : لا إله إلا الله ، فهل تعلم إلهاً غير الله ؟ " ثم دعاه إلى الإسلام ، فأسلم وشهد شهادة الحق " . قال فلقد رأيت وجهه استبشر ، ثم قال : " إن اليهود مغضوب عليهم ، والنصارى ضالون " . قال ابن كثير : وهكذا قال حذيفة بن اليمان وابن عباس وغيرهما في تفسير هذه الآية ، أنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا . وقال السدّيّ : استنصحوا الرجال ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم . وقد ذكر بعض المفسرين وجهاً في تفسير اتخاذهم أرباباً ، قال : بأن أطاعوهم بالسجود لهم . قال الشهاب : والأول هو تفسير النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فينبغي الاقتصار عليه ؛ لأنه لما أتاه عديّ ابن حاتم وهو يقرؤها قال له : إنا لم نعبدهم ، فقال : " ألم تتبعوهم في التحليل والتحريم ؟ فهذه هي العبادة " ، والناس يقولون : فلان يعبد فلاناً ، إذا أفرط في طاعته ، فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة ، أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة ، وهي طاعة مخصوصة على مطلقها ، والأول أبلغ . انتهى . قال الرازيّ : قال الربيع : قلت لأبي العالية : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ فقال : إنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الأحبار والرهبان ، فكانوا يأخذون بأقوالهم ، وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله تعالى . قال الرازيّ : قال شيخنا ومولانا ، خاتمة المحققين والمجتهدين رضي الله عنه : قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة في كتاب الله تعالى في بعض مسائل ، وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات ، فلم يقبلوا تلك الآيات ، ولم يلتفتوا إليها ، وبقوا ينظرون إليّ كالمتعجب ، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات ، مع أن الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ؟ ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا . انتهى . { وَمَآ أُمِرُوۤاْ } أي : والحال أن أولئك الكفرة ما أمروا في كتابهم { إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } أي : يطيعوا أمره ، ولا يطيعوا أمر غيره بخلافه ، وقوله : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } صفة ثانية لـ { إِلَـٰهاً } ، أو استئناف مقرر للتوحيد { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : به في العبادة والطاعة .