Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 30-30)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } جملة مبتدأة ، سيقت لتقرير ما مر من عدم إيمان أهل الكتابين بالله سبحانه ، وانتظامهم بذلك في سلك المشركين . وقرئ { عُزَيْرٌ } بالتنوين على الأصل ، وحذفه لالتقاء الساكنين على غير القياس تخفيفاً ، وهو مبتدأ وما بعده خبره ، ولهم أوجه أخرى في إعرابه ، والوجه ما ذكرناه . وليعلم أن الذي دعا الفريقين إلى مقاليهما هو الغلوّ في التعظيم ، فأما اعتقاد النصارى فهو مشهور معلوم ، تكفل التنزيل الكريم بذكره مراراً ، ودحر شبهه . وأما اليهود في ( عزير ) فغلاتهم أوجهلتهم يتفوهون بهذه الكلمة الشنعاء ، وأما بقيتهم فيعتبرونه في مقام موسى ، ويحترمون دائماً ذكره ، ويعتقدون أن الله تعالى قد أقامه لجمع التوراة المبددة ولتجديد الملة الموسوية ، وإرجاعها إلى عهدها ، وإصلاح ما فسد من آدابها وعوائدها ، بإلهام ، فإن نسخة التوراة الأصلية ، وبقية أسفارهم ، فقدت لما أغار أهل بابل ، جند ( بخت نصّر ) على بيت المقدس ، وهدموه ، وسبوا أهله إلى مملكتهم بابل ، وأقاموا هناك سبعين سنة ، ثم لما نبغ فيهم ( عزير ) واشتهر ، واستعطف أحد ملوكهم في سراحهم ، فأطلق له الملك الإجازة ، فعاد من بابل بمن بقي من اليهود إلى بيت المقدس ، وجدد ما اندثر من الشريعة الموسوية . قال بعض الكتابيين في قاموس له : زعم اليهود أن أئمتهم عقدوا مجمعاً في عهد ( عزرا ) وجمعوا الأسفار العبرانية في قانون متعارف عندهم اليوم ، وضموا إليه ما لم يكن من قبل جلاء بابل . وفي ( الذخيرة ) من كتبهم ما نصه : أجمع القوم على أن ( عزرا ) الذي كان خبيراً بآثار وطنه وقدمها ، وماهرا بمعرفة الطقوس اليهودية ، وبارعاً بالعلوم المقدسة ، هو أول من قرر هذا القانون ، وأثبت أجزاءه المختلفة ، بعد الأسر البابليّ في نحو السنة ( 543 ) قبل ميلاد المسيح ، ولما تفرقت التوراة آن الجلاء ، قام ( عزرا ) وجمع ما وجد من النسخ المتناثرة ، وألف منها نسخة صححها ونقحها ما استطاع ، وبدل أسماء الأماكن التي انتسخ ثَمَّ استعمالُها ، بأسماء أخرى أشهر في عرفهم ، ونسق الكل نسقا محكما ، واتفق الجميع على أنه اعتاض في كل الأسفار عن حروف الخط العبرانيّ بحروف كلدانية ، ألف استعمالها اليهود مدة أسرهم الذي استمر سبعين سنة . انتهى . فلهذا العمل المهم عندهم دعوه ( ابنا ) . وفيه من الجراءة على المقام الربانيّ ما فيه . ولو زعموا إرادة المجاز في ذلك ، فلا مناص لهم من لحوق الكفر بهم ، فإنه يجب الإحتياط في تنزيهه تعالى ، حتى بعفة اللسان ، عن النطق بما يوهم نقصاً في جانبه ، فيتبرأ من مثل هذا اللفظ مطلقاً ومن كل ما شاكله . هذا وقد قيل : إن القائل لذلك بعض من متقدميهم ، وقيل : ناس من أهل المدينة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا دلالة في الآية على واحد منهما بخصوصه ، ونسبة الشيء القبيح إذا صدر من بعض القوم إلى الكل ، مما شاع . لطيفة قرئ { عُزَيْرٌ } بالتنوين على الأصل ، لأنه منصرف ، وقرئ بحذفه لالتقاء الساكنين على غير القياس ، لا لأنه أعجمي غير منصرف للعلمية والعجمة ، كما قيل ؛ لأن ذلك إنما يصح لو كان على لفظه الأصليّ ، وهو ( عزراء ) أو ( عزريا ) ، لفظان عبرانيان ، معنى الأول معين ، والثاني الله مساعد ، أما وقد تصرفت فيه العرب بالتصغير ، فلا . وظاهر أن أغلب الأسماء القديمة ، لانتقالها من أمة إلى أخرى وكثرة تداولها ، تطرق إليها من شوائب التحريف والزيادة والنقصان ، ما غير صيغها الأصلية بعض التغيير . ولما استعملت العرب من الأسماء العبرانية ونحوها ما أدخلته إلى لغتها ، إما منحوتة من القديمة ، أو محرفة منها ، أصبحت بالإصطلاح من قبيل الأعلام العربية ، إلا ما بقي على وضعه الأول . وقوله تعالى : { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما صدر عنهم من العظيمتين ، وما فيه من معنى البعد ، للدلالة على بعد درجة المشار إليه في الشناعة والفظاعة - قاله أبو السعود - { قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } ، قال الزمخشريّ : فإن قلت : كل قول يقال بالفم ، فما معنى { بِأَفْوَاهِهِمْ } ؟ قلت فيه وجهان : أحدهما : أن يراد به أنه قول لا يعضده برهان ، فما هو إلا لفظ يفوهون به ، فارغ من معنى تحته ، كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم ، لا تدل على معان . وذلك أن القول الدال على معنى ، لفظه مقول بالفم ، ومعناه مؤثر في القلب ، وما لا معنى له ، مقول بالفم لا غير . والثاني : أن يراد بالقول المذهب ، كقولهم ( قول أبي حنيفة ) ، يريدون مذهبه ، وما يقول به ، كأنه قيل : ذهب مذهبهم ودينهم بأفواههم ، لا بقلوبهم ؛ لأنه لا حجة معه ولا شبهة ، حتى يؤثر في القلوب . وذلك أنهم إذا اعترفوا أنه لا صاحبة له ، لم تبق شبهة في انتفاء الولد . انتهى . وثمَةَ وجه ثالث شائع في مثله ، وهو التأكيد لنسبة هذا القول إليهم ، مع التعجيب من تصريحهم بتلك المقالة الفاسدة . قال بعضهم : القول قد ينسب إلى الأفواه وإلى الألسنة ، والأول أبلغ . { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } أي : يضاهئ قولُهم قولَ الذين كفروا من قبلهم من الأمم ، فضلوا كما ضل أولئك . قيل : المراد بـ : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركوا مكة ، القائلون بأن الملائكة بنات الله ، وهذا يتم إن أريد بـ ( اليهود والنصارى ) في الآية ، يهود المدينة ونصارى نجران في عهده صلى الله عليه وسلم ، وهو وجه في الآية كما تقدم ، فإنهم سُبِقوا من أهل مكة بالكفر به صلى الله عليه وسلم . وقيل : المراد بهم قدماؤهم ، يعني أن من كان في زمنه صلى الله عليه وسلم منهم ، يضاهئ قولهم قول قدمائهم ، والمراد عراقتهم في الكفر ، أي : أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث . قال أبو السعود : وفيه أنه لا تعدد في القول ، حتى يتأتى التشبيه ، وجعله بين قولي الفريقين ، مع اتحاد المقول ، ليس فيه مزيد مزيّة . وقيل : الضمير للنصارى ، أي : يضاهئ قولُهُم : { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } قولَ اليهود : { عُزَيْرٌ … } الخ لأنهم أقدم منهم . قال أبو السعود : وهو أيضاً كما ترى ، فإنه يستدعي اختصاص الرد والإبطال بقوله تعالى : { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } ، بقول النصارى . انتهى . والمضاهاة المشابهة ، يقال : ضاهيت ، وضاهأت - كما قاله الجوهريّ - وقراءة العامة يضاهون ، بهاء مضمومة بعدها واو . وقرأ عاصم بهاء مكسورة بعدها همزة مضمومة ، وهما بمعنى من المضاهأة ، وهي المشابهة ، وهما لغتان . وقيل : الياء فرع عن الهمزة ، كما قالوا : قريت وتوضيت وأخطيت { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } أي : لعنهم أو قتلهم ، أو عاداهم أو تعجب من شناعة قولهم : { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي : كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل .