Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 33-33)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } أي : القرآن الذي هو هدى للمتقين { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } أي : التوحيد الثابت الذي لا يزول { لِيُظْهِرَهُ } أي : الدين الحق { عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } أي : على سائر الأديان { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } أي : أن يكون ذلك . وجواب ( لو ) فيهما محذوف لدلالة ما قبله عليه ، وجملة { هُوَ ٱلَّذِيۤ } الخ بيان وتقرير لمضمون الجملة قبلها ، لأن المراد من إتمام نوره إظهاره . ولكونه بحسب المآل بمعناه ، ذيله بما ذيله به بعينه ، لكنه عبر عن الكافرين بالمشركين تفادياً عن صورة التكرار - كذا في العناية . وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله زوى لي الأرض ، مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " . وروى الإمام أحمد عن مسعود بن قَبِيصة أو قَبيصة بن مسعود يقول : صلى هذا الحيّ من محارب الصبح ، فلما صلَّوا قال شاب منهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " . وأخرج أيضاً عن تميم الداريّ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين ، يعز عزيزاً ، ويذل ذليلاً ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل الله به الكفر " وكان تميم الداريّ يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ ، ولقد أصاب من كان كافراً منهم الذل والصغار والجزية . وأخرج أيضاً عن المقداد بن الأسود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام ، يعز عزيزاً ، ويذل ذليلاً ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، وإما يذلهم فيدينون لها " . وأخرج أيضاً عن عديّ بن حاتم قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عديّ ، أسلم تسلم " . فقلت : إني من أهل دين . قال : " أنا أعلم بدينك منك " . فقلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : " نعم ألست من الرَّكوسية ، وأنت تأكل مرباع قومك ؟ " قلت : بلى ! قال : " فإن هذا لا يحل لك في دينك " قال : فلم يعد أن قالها ، فتواضعتُ لها . قال : " أما إني أعلم ما الذي يمنعك عن الإسلام ، تقول : إنما أتبعه ضعفة الناس ، ومن لا قوة له ، وقد رمتهم العرب ، أتعرف الحيرة ؟ " قلت : لم أرها وقد سمعت بها . قال : " فوالذي نفسي بيده ! ليتمنّ الله هذا الأمر ، حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز " ، قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : " نعم ، كسرى بن هرمز ، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد " " . قال عديّ بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد . ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده ! لتكوننّ الثالثة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها . وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزّى " ، فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله عز وجل : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ … } الآية - إن ذلك تامّ ! قال : " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله عز وجل ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة ، فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم " " . قال في ( اللباب ) : معنى الآية ليظهرن دين الإسلام على الأديان كلها ، وهو ألا يعبد الله إلا به . وكذا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : هذا وعد من الله تعالى بأنه يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان ، وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى . وكذلك قال الضحاك والسدّيّ : لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام . وقال الشافعيّ : قد أظهر الله دين رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان كلها ، بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق ، وما خلفه من الأديان باطل ، وأظهره على الشرك دين أهل الكتاب ، ودين الأميين ، فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعاً وكرهاً ، وقتل أهل الكتاب ، وسبي حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعضهم الجزية صاغرين ، وجرى عليهم حكمه . قال : فهذا هو ظهوره على الدين كله . انتهى . قلت : ما ذكره الشافعيّ هو من ظهوره ، والأدق ما تقدم ، من أنه سوف يعتنقه كل فرقة ، فإن ما تذهب إليه طوائف الإصلاح من الملل الأخرى لا يبعد الآن عن الإسلام إلا قليلاً . ثم بيّن تعالى حال الأحبار والرهبان في إغوائهم لأراذلهم ، إثر بيان سوء حال الأتباع في اتخاذهم لهم أرباباً يطيعونهم في الأوامر والنواهي ، واتباعهم لهم فيما يأتون وما يذرون ، بقوله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ … } .