Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-40)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ } أي : بالخروج معه إلى تبوك { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : كفار مكة حين مكروا به ، فصاروا سبب خروجه ، فخرج ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } حال من ضميره صلى الله عليه وسلم أي أحد اثنين { إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } بدل من { إِذْ أَخْرَجَهُ } بدل البعض ، إذ المراد به زمان متسع . والغار نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في الجهة اليمنى من مكة على مسيرة ساعة ، مكثا فيه ثلاثاً ، ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهما ، ثم يسيرا إلى المدينة ، { إِذْ يَقُولُ } بدل ثان ، أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم { لِصَاحِبِهِ } أي : أبي بكر : { لاَ تَحْزَنْ } وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه أشفق من المشركين أن يعلموا بمكانهما ، فيخلص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أذى ، وطفق يجزع لذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } أي : بالنصرة والحفظ . روى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال : " نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار ، وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه ! فقال : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين اللهُ ثالثهما " { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ } أي : أَمَنَتَه التي تسكن عندها القلوب { عَلَيْهِ } أي : على النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } يعني الملائكة ، أنزلهم ليحرسوه في الغار ، أو ليعينوه على العدوّ يوم بدر والأحزاب وحنين ، فتكون الجملة معطوفة على قوله : { نَصَرَهُ ٱللَّهُ } . وقوّى أبو السعود الوجه الثاني ، بأن الأول يأباه وصفهم بعدم رؤية المخاطبين لهم . قلت : لا إباءة ؛ لأن هذا وصف لازم لإمداد القوة الغيبية في كل حال ، وفي الثاني تفكيك في الأسلوب لبعد المتعاطفيْن ، فافهم . والله أعلم . { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } أي : المغلوبة المقهورة ، و ( الكلمة ) الشرك ، أو دعوة الكفر ، فهو مجاز عن معتقدهم الذي من شأنهم التكلم به على أنها الشرك ، أو هي بمعنى الكلام مطلقاً على أنها دعوة الكفر { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } يعني : التوحيد ، أو دعوة الإسلام كما تقدم ، أي : التي لا تزال عالية إلى يوم القيامة . { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ } بالرفع على الابتداء و { هِيَ ٱلْعُلْيَا } مبتدأ وخبر . أو تكون { هِيَ } فصلاً . وقرئ بالنصب أي : وجعل كلمة الله ، والأول أوجه وأبلغ ، لأن الجملة الإسمية تدل على الدوام والثبوت ، وإن الجعل لم يتطرق لها لأنها في نفسها عالية لا يتبدل شأنها ولا يتغير حالها ، وفي إضافة ( الكلمة ) إلى ( الله ) إعلاء لمكانها ، وتنويه لشأنها { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } أي : غالب على ما أراد : { حَكِيمٌ } في حكمه وتدبيره . تنبيه قال بعض مفسري الزيدية : استدل على عظيم محل أبي بكر من هذه الآية من وجوه : منها : قوله تعالى : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ } ، وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } ، وقوله { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } قيل : على أبي بكر . عن أبي عليّ والأصم ، قال أبو عليّ : لأنه الخائف المحتاج إلى الأمن ، وقيل : على الرسول ، عن الزجاج وأبي مسلم . قال جار الله : وقد قالوا : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر ، لأنه رد كتاب الله تعالى . انتهى . وقال السيوطيّ في ( الإكليل ) : أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : أنا ، والله ! صاحبه ، فمن هنا قالت المالكية : من أنكر صحبة أبي بكر كفر وقتل ، بخلاف غيره من الصحابة ، لنص القرآن على صحبته - انتهى . وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار " أخرجه الترمذيّ وقال : حديث حسن غريب . وقد ساق الفخر الرازيّ اثني عشر وجهاً من هذه الآية على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ، فأطال وأطاب . ولما توعد تعالى من لا ينفر مع الرسول لتبوك ، وضرب له من الأمثال ما فيه أعظم مزدجر أتبعه بهذا الأمر الجَزْم ، فقال سبحانه : { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } .