Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-41)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } حالان من ضمير المخاطبين ، أي : على أي حال كنتم خفافاً في النفور لنشاطكم له ، وثقالاً عنه ، لمشقته عليكم ، أو خفافاً لقلة عيالكم وأذيالكم ، وثقالاً لكثرتها ، أو خفافاً من السلاح وثقالاً منه ، أو ركباناً ومشاة ، أو شباباً وشيوخاً أو مهازيل وسماناً ، واللفظ الكريم يعم ذلك كله ، والمراد حال سهولة النَّفْر وحال صعوبته . وقد روي عن ثلة من الصحابة أنهم ما كانوا يتخلفون عن غزاة قط ، ويستشهدون بهذه الآية . ولما كانت البعوث إلى الشام ، قرأ أبو طلحة رضي الله عنه سورة براءة حتى أتى على هذه الآية ، فقال : أرى ربنا استنفرنا شيوخاً وشباباً ، جهزوني يا بَنيَّ ! فقال بنوه : يرحمك الله ، قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، ومع أبي بكر حتى مات ، ومع عمر حتى مات ، فنحن نغزو عنك فقال : ما سمع عذر أحد ، ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل . وكان أبو أيوب الأنصاريّ رضي الله عنه يقرأ هذه الآية ، ويقول : فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً ، ولم يتخلف عن غزاة المسلمين إلا عاماً واحداً . وقال أبو راشد الحبرانيّ : وافيت المقداد بن الأسود ، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فَصَلَ عنها يريد الغزو ، فقلت له : قد أعذر الله إليك ، فقال : أتت علينا سورة البعوث : { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } . وعن حبّان بن زيد قال : نفرنا مع صفوان بن عَمْرو - وكان والياً على حمص - فرأيت شيخاً كبيراً همّاً ، قد سقط حاجباه على عينيه ، من أهل دمشق ، على راحلته فيمن أغار ، فأقبلت إليه فقلت : يا عم ، لقد أعذر الله إليك ، قال : فرفع حاجبيه فقال : يا ابن أخي ، استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ، أَلا إنه من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده الله فيبقيه . وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ، ولم يعبد إلا الله عزَّ وجلَّ - روى ذلك كله ابن جرير . فرحم الله تلك الأنفس الزكية ، وحيّاها من بواسل ، باعت أرواحها في مرضاة ربها وإعلاء كلمته ، وأكرمت نفسها عن الاغترار بزخارف هذه الحياة الدنية . ثم رغّب تعالى في النفقة في سبيله ، وبذل المهج في مرضاته ، ومرضاة رسوله ، فقال : { وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ما في إسم الإشارة إلى النفير والجهاد من معنى البعد ، للإيذان ببعد منزلته في الشرف ، والمراد بكونه خيراً ، أنه خير في نفسه ، أو خير من الدعة ، والتمتع بالأموال . تنبيه قال الحاكم : الجهاد بالمال ضروب : منها إنفاقه على نفسه في السير في الجهاد ، ومنها صرف ذلك إلى الآلات التي يستعان بها على الجهاد ، ومنها صرفه إلى من ينوب عنه أو يخرج معه . وقال بعض مفسري الزيدية : ذكر المؤيد بالله أن من له فضل مال ، وجب عليه أن يدفعه إلى الإمام ، إن دعت إليه حاجة . وذكر الراضي بالله وجوب دفع ما دعت الحاجة إليه من الأموال في الجهاد ، قليلاً كان أو كثيراً ، ويتعين ذلك بتعيين الإمام . وأما من طريق الحسبة ، فقال الراضي بالله : يجب ذلك إن حصل خلل لا يسده إلا المال ، ويدخل في هذا إلزامُ الضيِّقة ، وتنزيل الدور ، وقد قال الراضي بالله : للإمام أن يلزم الرعية على ما يراه من المصلحة . وعن المؤيد بالله : إن للإمام إنزال جيشه دور الرعية إذا لم يتم له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالجند ، واحتاجوا إلى ذلك . كما يجوز دخول الدار المغصوبة لإزالة المنكر . وكذا ذكر أبو مضر أنه ينزل في الزائد على حاجة أهل الدور ، وأما من ينزل الدار من جيشه بظلم أو فساد ، فإن عُرِفَ ذلك عورض بين مطلب الإمام في دفعه المنكر ، وبين هذا المنكر الواقع من الجند ، أيهما أغلظ . انتهى . ثم صرف تعالى الخطاب عن المتخلفين ، ووجّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معدّداً لما صدر عنهم من الهنات قولاً وفعلاً ، مبيناً لدناءة همهم في هذا الخطب ، فقال سبحانه : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ … } .