Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 6-6)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } أي : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرتَ بقتالهم ، أي : استأمنك بعد انقضاء أشهر العهد ، فأجبْه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله ، أي : القرآن الذي تقرؤه عليه ، ويتدبره ، ويطلع على حقيقة الأمر ، وتقوم عليه حجة الله به ، فإن أسلم ثبت له ما للمسلمين ، وإن أبى فإنه يردّ إلى مأمنه ، وداره التي يأمن فيها ، ثم قاتله إن شئت . وقوله تعالى : { ذٰلِكَ } يعني : الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن ، بسبب أنهم قوم لا يعلمون ، أي : جهلة ، فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق ، ولا يبقى لهم معذرة . تنبيهات الأول : دلت الآية على أن المستأمن لا يؤذى ، وأنه يمكّن من العود من غير غدر به ولا خيانة ، ولذا ورد في الترهيب من عدم الوفاء بالعهد والغدر ما يزجر أشد الزجر . فروى البخاريّ في ( تاريخه ) والنسائيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " من أَمَّنَ رجلاً على دمه فقتله ، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً " . وروى أحمد والشيخان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة " . قال ابن كثير : من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام ، في أداء رسالة أو تجارة ، أو طلب صلح أو مهادنة ، أو حمل جزية ، أو نحو ذلك من الأسباب ، وطلب من الإمام أو نائبه أماناً أعطي ، ما دام متردداً في دار الإسلام ، إلى أن يرجع إلى مأمنه ووطنه . قال الحاكم : وإنما يجار ويؤمّن إذا لم يعلم أنه يطلب الخداع والمكر ، لأنه تعالى علل لزوم الإجارة بقوله : { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } . الثاني : قال الحاكم : تدل الآية على أنه يجوز للكافر دخول المسجد لسماع كلام الله . الثالث : استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن كلام الله بحرف وصوت قديمين ، وهم الحنابلة ، ومن وافقهم كالعضد . قالوا : لأن منطوق الآية يدل على أن كلام الله يسمعه الكافر والمؤمن والزنديق والصديق ، والذي يسمعه جمهور الخلق ليس إلا هذه الحروف والأصوات . فدل ذلك على أن كلام الله ليس إلا هذه الحروف والأصوات ، والقول بأن كلام الله شيء مغاير لها باطل ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يشير بقوله : { كَلاَمَ ٱللَّهِ } إلا لها ، وقد اعترف الرازيّ بقوة هذا ، لإلزام من خالف فيه ، وقد مضى لنا في قوله تعالى : { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [ النساء : 164 ] في آخر سورة النساء ، بسط لهذا فارجع إليه . الرابع : قال الرازيّ : دلت الآية على أن التقليد غير كاف في الدين ، وأنه لا بد من النظر والإستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافياً ، لوجب ألا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له : إما أن تؤمن ، وإما أن نقتلك ، فلما لم يُقلْ له ذلك ، بل أمهل وأزيل الخوف عنه ، ووجب تبليغه مأمنه - علم أن ذلك لأجل عدم كفاية التقليد في الدين ، وأنه لا بد من الحجة والدليل ، فلذا أمهل ليحصل له النظر والإستدلال . ثم بيّن تعالى حكمته في البراءة من المشركين وَنِظرَتَهُ إياهم أربعة أشهر ، ثم بعدها السيف المرهف بقوله : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ … } .