Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 79-79)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } أي : يعيبون { ٱلْمُطَّوِّعِينَ } أي : المتبرعين { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } فيزعمون أنهم تصدقوا رياءً { وَالَّذِينَ } أي : ويلمزون الذين { لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } أي : لا يجدون ما يتصدقون به إلا قليلاً ، وهو مقدار طاقتهم { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } أي : يهزؤون بهم ، ويقولون : إن الله غنيّ عن صدقتهم { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } أي : جازاهم على سخرهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . روى البخاريّ في صحيحه عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : لما نزلت آية الصدقة ، كنا نحامل فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي . وجاء رجل فتصدق بصاع ، فقالوا : إن الله لغنيّ عن صدقة هذا ، فنزلت : { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ … } الآية ، ورواه مسلم أيضاً . وروى الإمام أحمد عن أبي السليل ، عن رجل حدثه عن أبيه أو عمه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " من يتصدق بصدقة أشهدُ له بها يوم القيامة ؟ " فجاء رجل ، لم أرى رجلاً أشدّ منه سواداً ، ولا أصغر منه ولا أدمّ ، بناقة لم أر أحسن منها ، فقال : يا رسول الله ، دونك هذه الناقة . قال : فلمزه رجل فقال : هذا يتصدق بهذه ، فو الله لهي خير منه ، فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كذبت ! به هو خير منك ومنها " ( ثلاث مرات ) ، ثم قال : " ويل لأصحابك إلا من قال بالمال هكذا وهكذا " ، وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شماله " . قال ابن إسحاق : كان المطّوّعون من المؤمنين في الصدقات عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عديّ أخا بني عجلان ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب في الصدقة ، وحضّ عليها ، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف ، وقام عاصم بن عديّ وتصدق بمائة وسق من تمر ، فلمزوها وقالوا : ما هذا إلا رياءًَ . وكان الذي تصدق بجهده أبو عقيل ، أخو بني أُنَيْف ، أتى بصاع من تمر ، فأفرغها في الصدقة فتضاحكوا به ، وقالوا : إن الله لغنيّ عن صاع أبي عقيل . وروى الحافظ البزار في مسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً " ، فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ! عندي أربعة آلاف ، ألفين أقرضهما لربي ، وألفين لعيالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لك فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أمسكت " . وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر ، فقال : يا رسول الله ، أصبت صاعين من تمر ، صاع أقرضه لربي ، وصاع لعيالي . قال ، فلمزه المنافقون وقالوا : ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياءً ، وقالوا ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا ؟ فأنزل الله الآية . وقوله صلى الله عليه وسلم " أريد أن أبعث بعثاً " أي : لغزو الروم ، وذلك في غزوة تبوك " . تنبيهات الأول : قال السيوطي في ( الإكليل ) : في هذه الآية تحريم اللمز والسخرية بالمؤمنين . انتهى . الثاني : في : { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } وجوه من الإعراب : خبر مبتدأ بتقدير : ( هُمُ الَّذيِنَ ) أو مفعول ، أعني أو أذم الذين ، أو مجرور بدل من ضمير { سِرَّهُمْ } ، وجوَّز أيضاً أن يكون مبتدأ خبره : { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } ، وقيل : { فَيَسْخَرُونَ } ، ودخلت ( الفاء ) لما في { ٱلَّذِينَ } من الشبه بالشرط . وأما : { الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ } … الخ ، فقيل : معطوف على { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } وقيل : على { الْمُؤْمِنِينَ } ، والأحسن أنه معطوف على { ٱلْمُطَّوِّعِينَ } . قال في ( الفتح ) : ويكون من عطف الخاص على العام ، والنكتة فيه التنويه بالخاص ، لأن السخرية من المقلّ أشد من المكثر غالباً . الثالث : قال في ( الفتح ) : قراءة الجمهور : { ٱلْمُطَّوِّعِينَ } بتشديد الطاء والواو . وأصله المتطوعين ، أدغمت التاء في الطاء . انتهى . أي : لقرب المخرج ، والتطوع التنفّل ، وهو الطاعة لله تعالى بما ليس بواجب . و ( الجهد ) ، قال الليث : هو شيء قليل يعيش به المقلّ ، وبضم الجيم قرأ الجمهور . وقرأ ابن هرمز وجماعة بالفتح ، فقيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : المفتوح بمعنى المشقة ، والمضموم بمعنى الطاقة ، وقيل : المضموم قليل يعاش به ، والمفتوح العمل ، والمختار أنهما بمعنى ، وهو الطاقة وما تبلغه القوة . قال الفراء : الضم لغة أهل الحجاز ، والفتح لغيرهم . والهزء والسخرية بمعنى .