Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 80-80)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } أي : لهؤلاء المنافقين { أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } أي : فإنهما في حقهما سواء . ثم بيّن استحالة المغفرة لهم وإن بولغ في الاستغفار بقوله تعالى : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ } أي : عدم الغفران لهم { بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي : الخارجين عن حدوده . تنبيهات الأول : جملة قوله تعالى : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الخ ، إنشائية لفظاً ، خبرية معنى . والمراد التسوية بين الاستغفار لهم ، وتركه ، في استحالة المغفرة . وتصويرُه بصورة الأمر ، للمبالغة في بيان استوائهما ، كأنه عليه الصلاة والسلام أمر بامتحان الحال ، بأن يستغفر تارة ، ويترك أخرى ، ليظهر له جلية الأمر ، كما مر في قوله تعالى : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } [ التوبة : 53 ] ، وقد وردت بصيغة الخبر في سورة " المنافقون " في قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [ المنافقون : 5 - 6 ] . الثاني : قال الزمخشريّ : ( السبعون ) جارٍ مجرى المثل في كلامهم للتكثير . قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : @ لأَصْبَحَنَّ العاصَ وابن العاصِي سَبْعِينَ أَلْفاًَ عَاقِدِي النَّوَاصِي @@ أي : فذكرها للمبالغة في حسم مادة الاستغفار لهم ، جرياً على أساليب العرب في ذكرها للمبالغة لا للتحديد ، بأن يكون ما زاد عليها بخلافها . وقال أبو السعود : شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة في مطلق التكثير ، لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد ، فكأنها العدد بأسره . وقيل : هي أكمل الأعداد ، لجمعها معانيها ، ولأن الستة أول عدد تامّ ، لتعادل أجزائها الصحيحة ، إذ نصفها ثلاثة ، وثلثها اثنان ، وسدسها واحد ، وجملتها ستة ، وهي مع الواحد سبعة ، فكانت كاملة ، إذ لا مرتبة بعد التمام إلا الكمال ، ثم السبعون غاية الكمال ، إذ الآحاد غايتها العشرات ، والسبعمائة غاية الغايات - انتهى . الثالث : روى البخاريّ وغيره أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لما أراد أن يصدّه عن الصلاة على عبد الله بن أبيّ : " إنما خيّرني الله فقال : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية ، وسأزيده على السبعين " فظاهر هذا أن ( أو ) للتخيير ، وأن السبعين له حدٌ يخالفه حكم ما وراءه ، وهو من الإشكال بمكان . ولذا قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته ؟ والذي يفهم من هذا العدد كثرة الاستغفار ، كيف وقد تلاه بقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ … } الآية - فبين الصارف عن المغفرة لهم ، حتى قال : قد رخص لي ربي فسأزيد على السبعين . ثم أجاب الزمخشريّ بقوله : قلت لم يخف عليهك ذلك ، ولكنه خيل بما قال إظهاراً لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه ، كقول إبراهيم عليه السلام : { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] وفي إظهار النبيّ صلى الله عليه وسلم الرأفة والرحمة لطف لأمته ، ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض . انتهى . قال الشراح : يعني أنه أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير ، فجوّز الإجابة بالزيادة قصداً إلى إظهار الرأفة والرحمة ، كما جعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم جزاءَ من عصاني أي : لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام . قولَه : { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] دون أن يقول : ( شديد العقاب ) فخيل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم ، وحثّا على الاتباع . وفهمُ المعنى الحقيقيّ من لفظ اشتهر مجازه ، لا ينافي فصاحته ، ومعرفته باللسان ، فإنه لا خطأ فيه ، ولا بعد ، إذ هو الأصل ، ورجحه عنده شغفه بهدايتهم ، ورأفته بهم ، واستعطاف من عداهم . قال الناصر : وقد أنكر القاضي رضي الله عنه حديث الاستغفار ، ولم يصححه ، وتغالى قوم في قبوله ، حتى إنهم اتخذوه عمدة في مفهوم المخالفة ، وبنوه على أنه عليه السلام فهم من تحديد نفي الغفران بالسبعين ، ثبوت الغفران بالزائد عليه ، وذلك سبب إنكار القاضي عليهم . وقيل : لما سوى الله بين الاستغفار وعدمه ، ورتب عليه عدم القبول ، ولم ينه عنه ، فهم أنه خير ومرخص فيه ، وهذا مراده صلى الله عليه وسلم ، لا أنه فهم التخيير من ( أو ) ، حتى ينافي التسوية بينهما ، المرتب عليها عدم المغفرة ، وذلك تطييباً لخاطرهم ، وأنه لم يأل جهداً في الرأفة بهم . قال الشهاب : والتحقيق أن المراد التسوية في عدم الفائدة ، وهي لا تنافي التخيير ، فإن ثبت فهو بطريق الإقتضاء ، لوقوعها بين ضدين لا يجوز تركهما ولا فعلهما ، فلا بد من أحدهما ، فقد يكون في الإثبات كقوله تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } [ البقرة : 6 ] لأنه مأمور بالتبليغ ، وقد يكون في النفي كما هنا ، وفي قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ … } [ المنافقون : 6 ] الآية - فهو محتاج إلى البيان ، ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إنه رخص لي " ، ولعله رخص له في ابن أبيّ لحكمة ، وإن لم يترتب عليه فائدة القبول . انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) : روى عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة قال : " لما نزلت : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لأزيدنّ على السبعين " ، فأنزل الله تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } " ثم قال : ويحتمل أن تكون الآيتان معاً نزلتا في ذلك . انتهى . ثم أشار تعالى إلى نوع آخر من مساوئ المنافقين وهو جعلهم الفرح مكان الحزن ، والكراهة مكان الرضا . بقوله سبحانه : { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ … } .