Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 81-81)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } المخلفون : هم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين ، فأذن لهم في التخلف كما قلنا ، أو لأنه خلفهم في المدينة في غزوة تبوك . وإيثار { ٱلْمُخَلَّفُونَ } على ( المتخلفون ) ، لأنه صلى الله عليه وسلم منع بعضهم من الخروج ، فغلب على غيرهم ، أو المراد من خلفهم كسلُهم أو نفاقهم ، أو لأن الشيطان أغراهم بذلك ، وحملهم عليه . وقوله تعالى : { بِمَقْعَدِهِمْ } متعلق بـ ( فرح ) ، أي بقعودهم عن غزوة تبوك . فـ ( مقعد ) على هذا ، مصدر ميميّ ، أو هو اسم مكان ، والمراد به المدينة . وقوله : { خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } أي : خلفه ، وبعد خروجه ، حيث خرج ولم يخرجوا . فـ { خِلافَ } ظرف بمعنى خلف وبعد . يقال : فلان أقام خلاف فلان الحيّ أي بعدهم ، ظعنوا ولم يظعن ، ويؤيده قراءة من قرأ ( خلف رسول الله ) ، فانتصابه على أنه ظرف لـ ( مقعدهم ) ، إذ لا فائدة لتقييد فرحهم بذلك . قال الشهاب : واستعمال { خِلاَفَ } بمعنى ( خلف ) ، لأن جهة الخلف خلاف الأمام ، وجوز أن يكون ( الخلاف ) بمعنى ( المخالفة ) ، فهو مصدر ( خالف ) ، كالقتال ، ويعضده قراءة من قرأ ( خُلف رسول الله ) بضم الخاء ، وفي نصبه وجهان : الأول : أنه مفعول له ، والعامل إما ( فرح ) أي : فرحوا لأجل مخالفته صلى الله عليه وسلم بالقعود ، وإما ( مقعدهم ) أي : فرحوا بقعودهم لأجل مخالفته صلى الله عليه وسلم ، فهو علة إما للفرح أو للقعود . والثاني : أنه حال ، والعامل أحد المذكورين ، أي : فرحوا مخالفين له صلى الله عليه وسلم بالقعود ، أو فرحوا بالقعود مخالفين له . وقوله تعالى : { وَكَرِهُوۤاْ } الخ أي : لما في قلوبهم من مرض النفاق . قال أبو السعود : وإنما أوثر ما عليه النظم الكريم على أن يقال : ( وكرهوا أن يخرجوا إلى الغزو ) إيذاناً بأن الجهاد في سبيل الله ، مع كونه من أجلّ الرغائب ، وأشرف المطالب ، التي يجب أن يتنافس بها المتنافسون ، قد كرهوه ، كما فرحوا بأقبح القبائح ، الذي هو القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الزمخشريّ : في قوله تعالى : { وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } تعريض بالمؤمنين ، وبتحملهم المشاق العظام لوجه الله تعالى ، وبما فعلوا من بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل الله تعالى ، وإيثارهم ذلك على الدعة والخفض ( أي الراحة والتنعم بالمآكل والمشارب ) وكره ذلك المنافقون ، وكيف لا يكرهونه ؟ وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان ، وداعي الإيقان . قال الشهاب : ووجه التعريض ظاهر ؛ لأن المراد كرهوه ، لا كالمؤمنين الذين أحبوه . وقوله تعالى : { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } أي : قالوا لإخوانهم : لا تنفروا إلى الجهاد في الحر ، فإنه لا يستطاع شدته . وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، وذلك تثبيتاً لهم على التخلف ، وتواصياً فيما بينهم بالشر والفساد ، أو قالوا للمؤمنين تثبيطاً لهم عن الجهاد ، ونهياً عن المعروف ، وإظهاراً لبعض العلل الداعية لهم إلى ما فرحوا به من القعود . وكراهية الجهاد ، ونهي الغير عن ذلك - أفاده أبو السعود . وقوله تعالى : { قُلْ } أي : ردّاً عليهم وتجهيلاً لهم : { نَارُ جَهَنَّمَ } أي : التي ستدخلونها بما فعلتم : { أَشَدُّ حَرّاً } أي : مما تحذرون من الحرّ المعهود ، وتحذّرون الناس منه ، فما لكم لا تحذرونها ، وتعرضون أنفسكم لها ، بإيثار القعود على النفير . وقوله تعالى : { لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } اعتراض تذييليّ من جهته تعالى ، غير داخل تحت القول المأمور به ، مؤكد لمضمونه . وجواب { لَوْ } إما مقدر ، أي : لو كانوا يفقهون أنها كذلك ، أو كيف هي ؛ أو أن مآلهم إليها - لما فعلوا ما فعلوا ، أو لتأثروا بهذا الإلزام ، وإما غير منويّ ، على أن { لَوْ } لمجرد التمني المنبئ عن امتناع تحقق مدخولها ، أي : لو كانوا من أهل الفطانة والفقه ، كما في قوله تعالى : { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] . كذا في ( أبو السعود ) . تنبيهان الأول : قال الزمخشريّ : قوله تعالى : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ … } الخ استجهال لهم ؛ لأن من تصوّن من مشقة ساعة ، فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد ، كان أجهل من كل جاهل . ولبعضهم : @ مَسَرَّةُ أحقابٍ تَلَقَّيْتَ بَعْدَهَا مساءةَ يوم ، أريها شَبَهُ الصَّابِ فكيف بأَنْ تلقيَ مَسَرَّةَ ساعة وَرَاءَ تقضِّيهَا مَسَاءَةُ أَحْقَابِ @@ انتهى . أي : فهم كما قال الآخر : @ كالمستجير من الرمضاء بالنار @@ وقال آخر : @ عمرك بالْحِمِية أفنيتَه خوفاً من البارد والحارِّ وكان أولى لك أن تتقي من المعاصي حَذَرَ النارِ @@ الثاني : روى الإمام مالك والشيخان عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " نار بني آدم التي يوقدون بها جزء من سبعين جزءاً " - زاد الإمام أحمد " من نار جهنم " . وروى الشيخان عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة ، لَمَنْ له نعلان وشراكان من نار ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المِرجل ، لا يرى أن أحداً من أهل النار أشد عذاباً منه ، وإنه أهونهم عذاباً " . ثم أخبر تعالى عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل ، والبكاء الطويل ، المؤدي إليه أعمالهم السيئة ، التي من جملتها ما ذكر من الفرح ، بقوله سبحانه : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا … } .