Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 92-92)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } وهم العاجزون ، مع الصحة ، عن العدوّ ، وتحمل المشاق ، كالشيخ والصبي والمرأة والنحيف { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } أي : العاجزين بأمر عرض لهم ، كالعمى والعرج والزمانة { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } أي : ولا على الأقوياء والأصحاء الفقراء والعاجزين عن الإنفاق في السفر والسلاح ، { حَرَجٌ } أي : إثم في القعود ، و ( الحرج ) أصل معناه الضيق ، ثم استعمل للذنب ، وهو المراد { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } أي : أخلصوا الإيمان والعمل الصالح ، فلم يرجفوا ، ولم يثيروا الفتن ، وأوصلوا الخيرات للجاهدين ، وقاموا بمصالح بيوتهم . وقوله تعالى : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } استئناف مقرر لمضمون ما سبق ، أي : ليس عليهم جناح ، ولا إلى معاتبتهم سبيل ، و ( مِنْ ) مزيدة للتأكيد ، ووضع { ٱلْمُحْسِنِينَ } موضع الضمير ، للدلالة على انتظامهم ، بنصحهم لله ورسوله ، في سلك المحسنين ، أو تعليل لنفي الحرج عنهم ، أي : ما على جنس المحسنين من سبيل ، وهم من جملتهم أفاده أبو السعود . قال الشهاب : ( ليس على محسن سبيل ) ، كلام جارٍ مجرى المثل ، وهو إما عامّ ، ويدخل فيه من ذكر ، أو مخصوص بهؤلاء ، فالإحسان : النصح لله والرسول ، والإثم المنفيّ إثم التخلف ، فيكون تأكيداً لما قبله بعينه على أبلغ وجه وألطف سبك ، وهو من بليغ الكلام ؛ لأن معناه لا سبيل لعاتب عليه ، أي : لا يمرّ به العاتب ، ويجوز في أرضه ، فما أبعد العتاب عنه ! فتفطن للبلاغة القرآنية كما قيل : @ سُقْياً لأيامنَا الَّتي سَلَفَتْ إِذ لا يَمُرُّ العذولُ في بَلَدِي @@ وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييل مؤيد لمضمون ما ذكر ، مشير إلى أن بهم حاجة إلى المغفرة ، وإن كان تخلفهم بعذر - أفاده أبو السعود . أي : لأن المرء لا يخلو من تفريط ما ، فلا يقال : إنه نفى عنهم الإثم أولاً ، فما الإحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب ؟ أفاده الشهاب . { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } عطف على { ٱلْمُحْسِنِينَ } ، أو على { ٱلضُّعَفَآءِ } أي : لتعطيهم ظهراً يركبونه إلى الجهاد معك { قُلْتَ } أي : لهم { لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } أي : إلى الجهاد . قوله تعالى : { تَوَلَّوْا } جواب إذا ، أي : خرجوا من عندك { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } أي : في الحملان ، فهؤلاء ، وإن كانت لهم ، قدرة على تحمل المشاق ، فما عليهم من سبيل أيضاً . تنبيهات الأول : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ … } الخ رفع الجهاد عن الضعيف والمريض ، ومن لا يجد نفقة ولا أهبة للجهاد ولا محملاً . انتهى . وقال بعض الزيدية : هذه الآية الكريمة قاضية بنفي الحرج ، وهو الإثم ، على ترك الجهاد لهذه الأعذار ، بشرط النصيحة لله ولرسوله ، أي : بأن يريد لهم ما يريد لنفسه - عن أبي مسلم . الثاني : قال الحاكم : في الآية دلالة على أن النصح في الدين واجب ، وأنه يدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والشهادات والأحكام والفتاوى وبيان الأدلة . الثالث : قال ابن الفرس : يستدل بقوله تعالى : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } على أن قاتل البهيمة الصائلة لا يضمنها . وقال بعض الزيدية : يدل على أن المستودع والوصيّ والملتقط ، لا ضمان عليهم مع عدم التفريط ، وأنه لا يجب عليهم الرد ، بخلاف المستعير . الرابع : دل قوله تعالى : { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ … } الخ على أن العادم للنفقة ، الطالب للإعانة ، إِذا لم تحصل له ، فلا حرج عليه ، وفيه إشارة إلى أن المعونة إذا بدلت له من الإمام ، لزمه الخروج . الخامس : دلت الآية على جواز البكاء وإظهار الحزن على فوات الطاعة ، وإن كان معذوراً . السادس : قوله تعالى : { تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } أبلغ من ( يفيض دمعها ) ؛ لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض ، و { مِنَ } للبيان ، كقولك : أفديك من رجل . ومحلّ الجار والمجرور النصب على التمييز - أفاده الزمخشريّ . السابع : روى ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنت أكتب ( براءة ) فإني لواضع القلم على أذني ، إذ أمرنا بالقتال ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه ، إذ جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى ، فنزلت : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ … } الآية . وروى العوفيّ عن ابن عباس في هذه الآية ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءته عصابة من أصحابه ، فيهم عبد الله بن مغفل بن مُقَرِّن المزنيّ ، فقالوا : يا رسول الله ! احملنا . فقال لهم : " والله ! لا أجد ما أحملكم عليه " ، فتولوا وهم يبكون ، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملاً ، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله ، أنزل عذرهم في كتابه ، فقال : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } . وروى الإمام أحمد عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ، ما قطعتم وادياً ، ولا سلكتم طريقاً ، إلا شركوكم في الأجر ، حبسهم المرض " ورواه مسلم . ثم رد تعالى الملامة على المستأذنين في القعود وهم أغنياء بقوله : { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ … } .