Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-3)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } تقدم في مواضع متعددة من التنزيل الكريم تفسير { لاَ أُقْسِمُ } و ( البلد ) هو مكة . وقيد القسم بقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } عناية بالنبيّ صلوات الله عليه . فكأنه إقسام به لأجله ، مع تعريض بعدم شرف أهل مكة ، وأنهم جهلوا جهلاً عظيما ، لهمهم بإخراج من هو حقيق به ، وبه يتم شرفه . قال الشهاب : و ( الحل ) صفة أو مصدر بمعنى الحال على هذا الوجه . ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة . وقيل : معناه وأنت يستحل فيه حرمتك ، ويتعرض لأذيتك . ففيه تعجيب من حالهم في عداوته ، وتعريض بتجميعهم وتفريقهم بأنه لا يستحل فيه الحمام ، فكيف يستحل فيه دم مرشد الأنام ، عليه الصلاة والسلام ؟ ؟ وقيل : معناه وأنت حل به في المستقبل . تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ، إشارة إلى ما سيقع من فتح مكة وإحلالها له ساعة من نهار ، يقتل ويأسر . مع أنها ما فتحت على أحد قبله ، ولا أحلت له . ففيه تسلية له ، ووعد بنصره ، وإهلاك عدوه . و ( الحل ) على هذين الوجهين ضد ( الحرمة ) وفيهما - كما قالوا - بُعْدٌ . لا سيما إرادة الاستقبال في الوجه الأخير ، فإنه غير متبادر منه . وإنما كان الأول أولى لتشريفه عليه السلام ، بجعل حلوله به مناطاً لإعظامه ، مع التنبيه من أول الأمر على تحقق مضمون الجواب ، بذكر بعض مواد المكابدة ، على نهج براعة الاستهلال ، وإنه كابد المشاق ، ولاقي من الشدائد في سبيل الدعوة إلى الله ما لم يكابده داع قبله ، صلوات الله عليه وسلامه . { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } عطف على { هَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } داخل في المقسم به . قيل : عني بذلك آدم وولده . وقيل : إبراهيم وولده . والصواب - كما قال ابن جرير - أن المعنى به كل والد وما ولد . قال : وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل . ولا خبر بخصوص ذلك ولا برهان ، يجب التسليم له بخصوصه . فهو على عمومه كما عمه . وإيثارُ { مَا } على ( من ) لإرادة الوصف . فيفيد التعظيم في مقام المدح . وإنه مما لا يكتنه كنهه لشدة إبهامها . ولذا أفادت التعجب أو التعجيب ، وإن لم يكن استفهاماً كما في قوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [ آل عمران : 36 ] أي : أيُّ مولود عظيم الشأن وضعته . وهذا على كون المراد إبراهيم والنبيّ عليهما الصلاة والسلام ، ظاهر . أما على أن المراد به آدم وذريته ، فالتعجب من كثرتهم ، أو مما خص به الإنسان من خواص البشر . كالنطق والعقل وحسن الصورة . حكاه الشهاب .