Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-4)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } أي : يغشى الشمس أو النهار بظلمته ، فيذهب بذاك الضياء { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أي : ظهر بزوال الليل أو تبين بطلوع الشمس . قال الإمام : والتعبير في الغشيان بالمضارع ، لما سبق من عروض الظلمة لأصل النور الذي هو أكمل مظاهر الوجود ، حتى عبر به عن الوجود نفسه . أما تجلي النهار فهو لازم له ؛ لهذا عبر عنه بالماضي كما سبق بيانه { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } أي : والقادر الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد . فـ { مَا } موصولة بمعنى ( من ) أوثرت لإرادة الوصفية ، كما تقدم . قال الإمام : وإنما أقسم بذاته بهذا العنوان ، لما فيه من الإشعار بصفة العلم المحيط بدقائق المادة وما فيها ، والإشارة إلى الإبداع في الصنع . إذ لا يعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى في الحيوان ، يحصل بمحض الاتفاق من طبيعة لا شعور لها بما تفعل ، كما يزعم بعض الجاحدين . فإن الأجزاء الأصلية في المادة متساوية النسبة إلى كون الذكر أو كون الأنثى . فتكوين الولد من عناصر واحدة تارة ذكرا وتارة أنثى ، دليل على أن واضع هذا النظام عالم بما يفعل ، محكم فيما يضع ويصنع . انتهى . وقوله : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } جواب القسم . أو هو مقدر ، كما مر تفصيله . أي مختلف في جزائه . ومفرَّق في عاقبته . فمنه ما يسعد به الساعي ومنه ما يشقى به ، فشتان ما بينهما ، كما فصله بعد . و ( شتى ) إما جمع شتيت أو شت ، بمعنى متفرق ، والمصدر المضاف يفيد العموم . فيكون جمعاً معنى . ولذا أخبر عنه بـ ( شتى ) وهو جمع . وفيه وجه آخر وهو : أنه مفرد مصدر مؤنث . كذكرى وبشري . فهو بتقدير مضاف ، أو مؤوّل ، أو بجعله عين الافتراق ، مبالغة . قال الرازي : ويقرب من هذه الآية قوله : { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [ الحشر : 20 ] وقوله : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً } [ السجدة : 18 ] ، وقوله : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] .