Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 5-11)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } تفصيل لتلك المساعي الشتى ، وتبيين لمآلها كما تقدم . قال الرازي : وفي { أَعْطَىٰ } وجهان : أحدهما : أن يكون المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب ، وفك الأساري ، وتقوية المسلمين على عدوهم . كما كان يفعله أبو بكر ، سواء كان ذلك واجباً أو نفلاً . وإطلاق هذا كالإطلاق في قوله : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] فإن المراد منه كل ما كان إنفاقاً في سبيل الله ، سواء كان واجباً أو نفلا . وقد مدح الله قوماً فقال : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } [ الإنسان : 8 ] وقال في آخر هذه السورة : { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } [ الليل : 17 - 18 ] الآية . وثانيهما : أن قوله : { أَعْطَىٰ } يتناول إعطاء حقوق المال ، وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى . يقال : فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة . انتهى . إلا أن الأول هو المناسب للإعطاء ؛ لأن المعروف فيه تعلقه بالمال خصوصاً وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال { وَٱتَّقَىٰ } أي : ربه فاجتنب محارمه { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي : بالمثوبة الحسنى . قال قتادة : أي : صدق بموعود الله الحسن . وهو بمعنى قول مجاهد : إنها الجنة كما قال تعالى : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } [ الشورى : 23 ] فسمي مضاعفة الأجر ( حسنى ) وقال القاشاني : أي صدق بالفضيلة الحسنى التي هي مرتبة الكمال بالإيمان العلمي ، إذ لو لم يتيقن بوجود كمال كامل لم يمكنه الترقي . { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } أي : فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى ، التي هي السلوك في طريق الحق ، لقوة يقينه . قال الشهاب : ولما كانت مؤدية إلى اليسر ، وهو الأمر السهل الذي يستريح به الناس ، وصفت بأنها يسرى ، على أنه استعارة مصرحة أو مجاز مرسل أو تجوز في الإسناد . { وَأَمَّا مَن بَخِلَ } أي : بالنفقة في سبيل الله ، ومنع ما وهب الله له من فضله من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها { وَٱسْتَغْنَىٰ } أي : عن ربه فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوله ، أو استغنى بماله عن كسب الفضيلة ، وعمه به عن الحق { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي : بوجود المثوبة للحسنى ، لمن آمن بالحق ؛ لاستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه بها عن عالم الآخرة . { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } أي : للطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبدي . قال الإمام : الخطة العسرى هي الخطة التي يحط فيها الإنسان من نفسه ، ويغض من حقها وينزل بها إلى حضيض البهيمية ، ويغمسها في أوحال الخطيئة . وهي أعسر الخطتين على الإنسان ، لأنه لا يجد معيناً عليها ؛ لا من فطرته ولا من الناس . { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } أي : وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله ، وأفنى عمره في حفظه وبطر الحق لأجله ، إذا هلك من قولهم : ( تردى من الجبل وفي الهوة ) وفي التعبير به إشارة إلى أنه بما قدمه من أعماله الخبيثة ، هو المهلك والموقع لنفسه . وهو الحافر على حتفه بظلفه و { مَا } نافية أو استفهام في معنى الإنكار . وقوله : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ … } .