Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 95, Ayat: 4-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي : في أحسن تعديل خلقاً ، وشكلاً ، صورة ومعنى . قال الشهاب : الظرف في موضع الحال من الإنسان . والتقويم فعل الله ، فهو بمعنى القوام أو المقوم ، أو فيه مضاف مقدر . أي : قوام أحسن تقويم ، أو ( في ) زائدة والتقدير : قومناه أحسن تقويم . { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي : جعلناه أسفل من سفل ، وهم أصحاب النار ، لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين ، فـ ( رد ) بمعنى : جعل التي تنصب مفعولين . قال الشهاب : و ( السافلين ) العصاة وغيرهم ، وأسفل سافل للمتعدد والمتفاوت . و { ثُمَّ } للتراخي الزمانيّ أو هو رتبي ، وجوز نصب { أَسْفَلَ } بنزع الخافض صفة لمحذوف . أي : إلى مكان أسفل سافلين . أي : محل النار . أو النار بمعنى جهنم . وهذا ما قاله مجاهد حيث قال : ( في النار ) وفي رواية ( إلى النار ) والسافلين على هذا : الأمكنة السافلة . وهي دركاتها . وجمعها للعقلاء للفاصلة ، أو للتنزيل منزلة العقلاء . كذا قالوا . ولو أريد بهم أهل النار والدركات ؛ لأنهم أسفل السفل كالأول ، لكان أولى . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير مقطوع أو غير منقوص أو غير محسوب أو غير ممنون به عليهم . والاستثناء متصل من ضمير { رَدَدْنَاهُ } فإنه في معنى الجمع ؛ لأن المكني عنه وهو الإنسان ، في معنى الجنس . هذا ، وقد اعتمد ابن جرير في تأويل الآية ، ما روي عن ابن عباس من أن المعنى ( ثم رددناه على أرذل العمر ) . وأن من كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها ، ثم كبر حتى ذهب عقله ، كتب له مثل عمله الصالح الذي كان يعمل في شيبته ، ولم يؤاخذ بشيء مما عمل في كبره وذهاب عقله ، من أجل أنه مؤمن وكان يطيع الله في شبيبته . وعبارة ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال معناه : ثم رددناه أي إلى أرذل العمر ، إلى عمر الخرفي الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر ، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر ، وذهاب العقل . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } في حال صحتهم وشبابهم { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } بعد هرمهم ، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم ، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل . قال : وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب في ذلك ؛ لأن الله تعالى ذكرُه أخبر عن خلقه ابن آدم وتصريفه في الأحوال ، احتجاجاً بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت . ألا ترى أنه يقول : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } يعني بعد هذه الحجج . ومحال أن يحتج على قوم كانوا منكرين معنى من المعاني بما كانوا له منكرين . وإنما الحجة على كل قوم بما لا يقدرون على دفعه مما يعاينونه ويحسونه ، أو يقرون به وإن لم يكونوا له محسين ، وإذ كان ذلك كذلك ، وكان القوم للنار التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة منكرين ، وكانوا أهل الهرم والخرف من بعد الشباب والجلد شاهدين ، علم أنه إنما احتج عليهم بما كانوا له معاينين من تصريفه خلقه ونقله إياهم من حال التقويم الحسن ، والشباب والجلد إلى الهرم والضعف وفناء العمر وحدوث الخرف . انتهى كلامه . وعليه فيكون الاستثناء منقطعاً ، استدراكاً لدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره ، ويكون { ٱلَّذِينَ } حينئذ مبتدأ ، والفاء داخلة في خبره . وأما على الوجه الأول ، فالفاء للتفريع ، ومدخولها جملة مترتبة عليه ، ومؤكدة له . وقوله تعالى : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } خطاب للإنسان على طريق الالتفات ، لتشديد التوبيخ والتبكيت ، أي : فما يحملك على التكذيب بالدين ، أي الجزاء بعد البعث ، وإنكاره بعد هذه الدلائل . والمعنى : إن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشرا سويّاً ، وتحويله من حال إلى حال ، كمالاً ونقصاناً من أوضح الدلائل على قدرة الله عز وجل على البعث والجزاء فأي شيء تضطرك إلى التكذيب به ؟ وجوز أن يكون الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومعنى : { يُكَذِّبُكَ } إما ينسبك إلى الكذب ( كفسقته إذا قلت له إنه فاسق ) والباء في { بِٱلدِّينِ } بمعنى ( في ) أي يكذبك في إخبارك به . أو سببية أي : بسبب إخبارك به وإثباته . أو المعنى ما يجعلك مكذباً بالدين . على أن الباء صلته . وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين ، والمعنى : إنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالدين . لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله ولا يرفعون لها رأساً . والاستفهام للإنكار والتعجب . واستصوب ابن جرير قول من قال ( ما ) بمعنى ( من ) أي فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين . قال الشهاب : { فَمَا } استفهام عمن يعقل ، وفيه نظر ؛ لأنه خلاف المعروف ، فلا يرتكب مع صحة بقائها على أصلها ، كما بيناه لك ، والداعي لارتكاب هذا ، أن المعنى عليه أظهر إذا كان المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إنكار توبيخي للمكذبين له صلى الله عليه وسلم ، بعد ما ظهر لهم من دلائل صدقه وصحة مدعاه . { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } أي : بأحكم من حكم في أحكامه . قال أبو السعود : أي : أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعاً وتدبيراً ، حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء ، وحيث استحال عدم كونه أحكم الحاكمين ، تعين الإعادة والجزاء . فالجملة تقريراً لما قبلها . وقيل : الحكم بمعنى : القضاء ، فهي وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما يستحقونه من العذاب . و { أَحْكَمِ } من الحكم أو الحكمة . قيل : والثاني : أظهر . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال : " بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين " أرسله قتادة ، ورفعه أبو هريرة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم .