Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 15-19)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَلاَّ } ردع عن النهي عن الصلاة { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } أي : عن هذا الطغيان ، وعن النهي عن الصلاة ، وعن التكذيب والتولي { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } أي : لنأخذن بناصيته , ولنسحبنه بها إلى النار . والسفع : القبض على الشيء وجذبه بشدة . والأخذ بالناصية هنا ، مَثَلٌ في القهر والإذلال والتعذيب والنكال . وقوله تعالى : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } بدل من ( الناصية ) ولم يقتصر على إحدى الجملتين ؛ لأن ذكر الأولى للتنصيص على أنها ناصية الناهي ، والثانية لتوصف بما يدل على علة السفع وشموله لكل من وجد فيه ذلك . ووصفها بالكذب والخطأ ، وهما لصاحبها ، على الإسناد المجازي ، للمبالغة لأنها تدل على وصفه بالكذب بطريق الأوْلى ، ولأنه لشدة كذبه كان كل جزء من أجزائه يكذب . وكذا حال الخطأ ، وهو كقوله : { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } [ النحل : 62 ] و ( وجهها يصف الجمال ) - والتجوز بإسناد ما للكل إلى الجزاء ، كما يسند إلى الجزئيّ في قولهم : ( بنو فلان قتلوا قتيلاً ) والقاتل أحدهم . لطيفة قال في ( البحر ) : كتبت نون { لَنَسْفَعاً } بالألف باعتبار الوقف عليها بإبدالها ألفاً . وقال السمين : الوقف على هذه النون بالألف تشبيهاً لها بالتنوين . وتكتب هنا ألفاً اتباعاً للوقف لأن قاعدة الرسم مبنية على حال الوقف والابتداء { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } أي : أهل مجلسه ، ليمنع المصلين ويؤذي أهل الحق الصادقين ، اتكالاً على قوتهم وغفلة عن قهر الحق وسخطه . والجملة إما بتقدير مضاف ، أو على الإسناد المجازيّ من إطلاق اسم المحل على من حلّ فيه . والنادي المجلس الذي ينتدى فيه القوم ، أي : يجتمعون { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } أي : زبانية العذاب من جنوده تعالى فيهلكونه في الدنيا ، أو يردونه في النار في الآخرة وهو صاغر . ولم يرسم { سَنَدْعُ } بالواو في المصاحف باتباع الرسم للفظ ، أو لمشاكلة قوله : { فَلْيَدْعُ } وقيل : إنه مجزوم في جواب الأمر وفيه نظر { كَلاَّ } ردع للناهي بعد ردع ، وزجر إثر زجر { لاَ تُطِعْهُ } أي : لا تطع ذاك الطاغي إذا نهاك عن عبادة ربك . قال الزمخشري : أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ القلم : 8 ] { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } أي : صل لربك وتقرب منه بالعبادة وتحبب إليه بالطاعة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . فأكثروا من الدعاء " . تنبيهات الأول : قدمنا أن الآيات نزلت في أبي جهل ، على ما صح في الأخبار ، قال الإمام : ولا مانع من أن يكون في الآيات إشارة إليه ، ولكنها عامة في كل وقت وزمن كما ترى . والخطاب فيها موجه إلى من يخاطب لا إلى شخص النبيّ صلى الله عليه وسلم . والله أعلم . الثاني : قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) : إنما شدد الأمر - أمر الوعيد - في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط ، حيث طرح سلي الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي - لأنهما وإن اشتركا في مطلق الأذية حال صلاته ، لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوة أهل طاعته ، وبوطء العنق الشريف . وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة له ، لو فعل ذلك . وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم وعلى من شاركه في فعله ، فقتلوا يوم بدر ، كأبي جهل . الثالث : قال الإمام : ذكر الصلاة في الصورة لا يدل على أن بقيتها نزل بعد فرض الصلاة . فقد كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلاة قبل أن تفرض الصلوات الخمس المعروفة . الرابع : قال في ( اللباب ) : سجدة هذه السورة من عزائم سجود التلاوة عند الشافعي . فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءتها . يدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال : " سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] و { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] " أخرجه مسلم في صحيحه .