Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 9-14)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } أي : يمنعه عن الصلاة . وعبر بالنهي ، إشارة إلى عدم اقتداره على غير ذلك . قال ابن عطية : لم يختلف المفسرون في أن الناهي أبو جهل والعبد المصلي : النبيّ صلى الله عليه وسلم . كما روي في الصحيحين . ولفظ البخاري عن ابن عباس : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه . فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " لو فعله لأخذته الملائكة " . وفي الآية تقبيح وتشنيع لحال ذاك الكافر ، وتعجيب منها وإيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يجب أن يراها كل من يتأتى منه الرؤية ويقضي منها العجب . ولفظ ( العبد ) وتنكيره ، لتفخيمه عليه السلام ، واستعظام النهي وتأكيد التعجب منه . وقيل : إنه من إرخاء العنان في الكلام المنصف ، إذ قال { يَنْهَىٰ } ولم يقل : ( يؤذي ) و ( عبداً ) دون ( نبيّا ) والرؤية ههنا بصرية ، وفيما بعدها قلبية . معناه : أخبرني . فإن الرؤية لما كانت سببا للإخبار عن المرئيّ ، أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها . قاله أبو السعود . وقال الإمام : كلمة { أَرَأَيْتَ } صارت تستعمل في معنى ( أخبرني ) على أنها لا يقصد بها في مثل هذه الآية الاستخبار الحقيقيّ ، ولكن يقصد بها إنكار المستخبر عنها وتقبيحها . فكأنه يقول : ما أسخف عقل هذا الذي يطغى به الكبر فينهي عبداً من عبيد الله عن صلاته ، خصوصاً وهو في حالة أدائها . وقوله : { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } أي : أرأيت إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله ، أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان ، كما يعتقد ؟ وجواب الشرط محذوف دل عليه ما بعده . أي ألم يعلم بأن الله يرى . وعليه ، فالضمائر كلها للذي ينهى وجوز عود الضمير المستتر في ( كان ) للعبد المصلي . وكذا في ( أمر ) أي : أرأيت الذي ينهى عبداً يصلي ؟ والمنهيّ على الهدى آمر بالتقوى . والنهي مكذب متول ، فما أعجب من هذا ! وذهب الإمام رحمه الله ، في تأويل الآية إلى معنى آخر ، وعبارته : أما قوله : { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } فمعناه أخبرني عن حاله إن كان ذلك الطاغي على الهدى وعلى صراط الحق ، أو أمر بالتقوى مكان نهيه عن الصلاة ، أفما كان ذلك خيراً له وأفضل ؟ وقوله { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أي : نبئني عن حاله إن كذب بما جاء به النبيون . وتولى أي : أعرض عن العمل الطيب ، أفلا يخشى أن تحل به قارعة ويصيبه من عذاب الله ما لا قِبِلَ له باحتمال ؟ فجواب كل من الشرطين محذوف كما رأيت في تفسير المعنى . وهو من الإيجاز المحمود ، بعد ما دل على المحذوف بقوله : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } أي : أجهل أن الله يطلع على أمره ؟ فإن كان تقيّاً على الهدى أحسن جزاءه ، وإن كذب وتولى لم يفلت من عقوبته . ثم إن ما يطيل به المفسرون في المفعول الثاني لفعل { أَرَأَيْتَ } الأولى ومفعوليها في الثانية والثالثة ، فهو مما لا معنى له ؛ لأن القرآن قدوة في التعبير ، وقد استعملها بمفعول واحد وبلا مفعول أصلاً بمعنى ( أخبرني ) . والجملة المستخبر عن مضمونها ، تسد مسد المفاعيل . انتهى كلامه رحمه الله .