Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 98, Ayat: 1-3)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : جحدوا نبوة النبيّ صلوات الله عليه بعنادهم ، بعد ما تبينوا الحق منها { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } أي : اليهود والنصارى الذين عرفوه وسمعوا أدلته وشاهدوا آياته ، لم يكونوا هم { وَٱلْمُشْرِكِينَ } أي : وثنيي العرب { مُنفَكِّينَ } أي : عن غفلتهم وجهلهم بالحق ، ووقوفهم عند ما قلدوا فيه آباءهم ، ولا يعرفون من الحق شيئاً { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } أي : الحجة القاطعة المثبتة للمدعي ، وهي هنا النبيّ صلى الله عليه وسلم . فمجيئه هو الذي أحدث هذه الرجة فيما رسخ من عقائدهم وتمكن من عوائدهم ، حتى أخذوا يحتجون لعنادهم ومناكرتهم بأنه كان شيئاً معروفاً لهم ، يصلون إليه بما كان لديهم ، ولكنه ليس بمستحق أن يتبع . فإن ما هم فيه أجمل وأبدع . ومتابعة الآباء فيه أشهى إلى النفوس وأمتع . تلك البينة التي تعرفهم وجه الحق هي { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أي : محمد صلى الله عليه وسلم { يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } وهي صحف القرآن المطهرة من الخلط وحشو المدلسين ، فلهذا تنبعث منها أشعة الحق حتى يعرفه طالبوه ومنكروه معا { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } أي : مستقيمة لا عوج فيها . واستقامة الكتب اشتمالها على الحق الذي لا يميل إلى باطل { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] والكتب التي في صحف القرآن ومصاحفه ، إما أن تكون هي ما صح من كتب الأولين كموسى وعيسى وغيرهما ، مما حكاه الله في كتابه عنهم . فإنه لم يأت منها إلا بما هو قوي سليم . وقد ترك حكاية ما لبس فيه الملبسون إلا أن يكون ذكره لبيان بطلانه . ولهذا لم يجد الجاحدون لرسالته عليه السلام من أهل الكتاب سبيلا إلى إنكار الحق . وإنما فضلوا عليه سواه . أو هي سور القرآن . فإن كل سورة من سوره ، كتاب قويم . فصحف القرآن أو صحائفه وأوراق مصحفه تحتوي على سور من القرآن هي كتب قيمة . ولما كان لسائل أن يسأل : إذ كان هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، قد انفكوا عن ذلك الظلام المطبق ، وبدا لهم من الحق ما عرفوه كما يعرفون أبناءهم ، فما بالهم لم يؤمنوا بهذا الحق الذي جاءهم ؟ أجاب الحق تعالى بأن أهل الكتاب قد جاءتهم البينة والحجة القاطعة على الحق الذي لا يختلف وجهه ، بما أوحى الله به إلى أنبيائهم . وكان من حقهم أن يسترشدوا بكتبهم في معرفة سبيله حتى لا ينحرفوا عنه . فإذا عرض لأحدهم شبهة رجع في كشفها إلى العارف بمعاني الكتب . ثم كان عليهم أن يحرصوا على تعلم معانيها وفهم أساليبها ويحافظوا عليها حتى لا يضللهم فيها مضلل . لكن هذه البينة لم تفدهم شيئاً فإنهم اختلفوا في التأويل وتفرقوا في المذاهب حتى صار أهل كل مذهب يبطل ما عند أهل المذهب الآخر . وكان ذلك بغيا منهم ، واستمراراً في المراء ، وإصراراً على ما قاد إليه الهوى . وهذا هو قوله تعالى : { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ … }