Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 98, Ayat: 4-5)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } أي : على ألسنة أنبيائهم . فهكذا كان شأنهم في النبيّ صلى الله عليه وسلم . جحدوا بينته كما جحدوا بينة أنبيائهم ، بتفرقهم فيها ، وبعدهم بالتفرق عن حقيقتها . فإن كان هذا شأن أهل الكتاب في بينتهم وبينتنا ، فما ظنك بالمشركين وهم أعرق في الجهالة وأساس قياداً للهوى منهم ؟ ؟ وقوله تعالى : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ } أي : والحال أن أهل الكتاب ما أمروا بلسان أنبيائهم وكتبهم { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي : الإذعان والخضوع ، وذلك بتنقيته من أن يشركه فيه شيء . لا واسطة ولا مال ، ولا كرامة ولا جاه { حُنَفَآءَ } أي : متبعي إبراهيم عليه السلام ، أو على مثاله . وأصله جمع ( حنيف ) بمعنى المائل المنحرف . سمي به إبراهيم عليه السلام لانحرافه عن وثنية الناس كافة . { وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي : الإتيان بها ، لإحضار القلب هيبة المعبود وترويضه بالخشوع . لا أن تكون مجرد حركات ظاهرة . فإن ذلك ليس من الصلاة في شيء ، ألبتة { وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ } أي : بصرفها في مصارفها التي عينها الله تعالى : { وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } أي : الكتب القيمة . أو دين الأمة القيمة المستقيمة . ومعنى الآية : إن أهل الكتاب قد افترقوا ، ولعنت كل فرقة أختها . وكان افتراقهم في العقائد والأحكام وفروع الشريعة ، مع أنهم لم يؤمروا ولم توضع لهم تلك الأحكام إلا لأجل أن يعبدوا الله ويخلصوا له عقائدهم وأعمالهم . فلا يأخذونها إلا عنه مباشرة ، ولا يقلدون أهل الضلال من الأمم الأخرى . وأن يخشعوا لله في صلاتهم ، وإن يَصِلُوا عباد الله بزكاتهم . فإذا كان هذا هو الأصل الذي يرجع إليه في الأوامر ، فما كان عليهم إلا أن يجعلوه نصب أعينهم ، فيردوا إليه كل ما يعرض لهم من المسائل ويَحُلُّوا به كل ما يعترض أمامهم من المشاكل . ومتى تحكم الإخلاص في الأنفس ، تسلط الإنصاف عليها ، فسادت فيها الوحدة ، ولم تطرق طرقها الفرقة . هذا ما نعاه الله من حال أهل الكتاب . فما نقول في حالنا ؟ أفما ينعاه كتابنا الشاهد علينا بسوء أعمالنا ، في افتراقنا في الدين ، وأن صرنا فيه شيعاً ، وملأناه محدثات وبدعاً ؟ بهذا الذي تقدم عرفت أن الذين كفروا هم الذين أنكروا رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم عند دعوتهم إلى قبول ما جاء به . وإن { مِنْ } في قوله : { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } للتبعيض . وأن معنى ( لم يكونوا منفكين ) : أي : لم يكن وجه الحق لينكشف لهم ، فيقع الزلزال في عقائدهم ، فينفكوا عن الغفلة المحضة التي كانوا فيها ، حتى تأتيهم البينة . ويجوز أن يكون المراد من { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } والله أعلم ، أولئك الذين جحدوا شيئاً من دين الله تعالى عندما جاءهم . ولم ينظروا في دليله . أو أعرضوا عنه بعد ما عرفوا دليله سواء كانوا من مشركي العرب أو من أهل الكتاب . وإن آمنوا بعد ذلك وصدقوا . فأراد الله أن يذكر منته على من آمن من هؤلاء ، فبين أن الذين كفروا ، أي : جحدوا ما أوجب الله على عباده أن يعتقدوه عنه من صفاته وشرائعه من أهل الكتاب ومشركي العرب ، لم يكونوا براجعين عن كفرهم وجحودهم هذا ، حتى يأتيهم الرسول فيبين لهم بطلان ما كانوا عليه من الكفر ، فيؤمنوا . فما أعظم فضل الله عليهم في إرسال رسوله إليهم ! وهذا وجه آخر غير الذي قدمناه في معنى الذين كفروا وانفكاكهم . وبذلك أو هذا ظهر معنى { حَتَّىٰ } وبطل جميع ما يهذي به كثير من المفسرين الذين أضلهم التقليد ، عن الرأي السديد ، فصعبوا من القرآن سهله ، وحرموا من فهمه أهله . انتهى كلام الإمام نقلناه من أول السورة إلى هنا بالحرف لنفاسته ، ولكونه أحسن ما فُسِّرَت به . وقاعدتنا التي انتهجناها في هذا التفسير أن نؤثر في معاني آياته ، أحسن ما قيل فيها . فلذلك سميناه ( محاسن التأويل ) هدانا الله إلى أقوم السبيل .