Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 65-67)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن بين الله تعالى لرسوله حال أوليائه وصفتهم وما بشرهم به في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وكونه لا تبديل لكلماته فيما بشرهم ووعدهم كما أنه لا تبديل لها فيما أوعد به أعداءه المشركين ، وكان هذا يتضمن الوعد بنصره ونصر من آمن له وهم أولياء الله وأنصار دينه على ضعفهم وفقرهم ، وكانت العزة أي القوة والغلبة في مكة لا تزال للمشركين بكثرتهم التي يعبرون عنها بقولهم : وإنما العزة للكاثر ، وكانوا لغرورهم بكثرتهم وثروتهم يكذبون بوعد الله وكان ذلك يحزنه صلى الله عليه وسلم بالطبع كما قال : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [ الأنعام : 33 ] الآية قال تعالى مسلياً له ومؤكداً وعده له ولأوليائه ، ووعيده لأعدائهم وأعدائه : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } [ يونس : 65 ] نهاه عن الحزن والغم من قولهم الذي يقولونه في تكذيبه الذي تقدم مفصلاً في هذه السورة فحذف مقول القول للعلم به وبين له سبب هذا النهي بقوله : { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي إن الغلبة والقوة والمنعة لله جميعها لا يملك أحد من دونه شيئاً منها ، فهو يهبها لمن يشاء ويحرمها من يشاء ، وليست للكثرة دائماً كما يدعون ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، وقد وعد بها رسله والذين آمنوا بهم واتبعوهم من أوليائه ، كما قال : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] و { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } [ غافر : 51 ] { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] فعزته تعالى ذاتية له ، وعزة رسوله والمؤمنين به ومنه عز وجل ، كما قال { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] وقرأ نافع ( يحزنك ) بضم الياء من أحزنه وهي لغة ، وقرئ ( أن العزة ) بفتح همزة إن لحذف لامها وهي للتعليل الذي تدل عليه قراءة الجمهور بالكسر على الاستئناف البياني { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لما يقولون من تكذيب بالحق وادعاء للشرك { ٱلْعَلِيمُ } بما يفعلون من إيذاء وكيد ومكر فهو يذلهم ويحبط أعمالهم ، وهذا استئناف آخر في تقرير مضمون الأول وهو تسليته صلى الله عليه وسلم وتأكيد وعده بالعزة ووعيد تكذيبه ثم استدل على كون العزة له جميعاً والجزاء بيده بقوله مستأنفاً أيضاً ومفتتحاً بأداة التنبه . { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 66 ] من عابد ومعبود فهو ربهم ومالكهم وهم عبيده المربوبون المملوكون له { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } له في ربوبيته وملكه ، أي إن هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله بدعائهم في الشدائد ، واستغاثتهم في النوازل ، والتقرب إليهم بالنذور والقرابين والوسائل لا يتبعون شركاء له في تدبير أمور عباده ينفعونهم أو يكشفون الضر عنهم إذ لا شركاء له { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون في الحقيقة إلا ظنهم أن هؤلاء الذين يدعونهم أولياء لله وشفعاء عنده ، فهم يتوسلون بهم وبتماثيلهم إليه ، لأنهم يقيسونه على ملوكهم الظالمين المتكبرين ، الذين لا يصل إليهم أحد من رعاياهم إلا بوسائل حجابه ووسائطه ووزرائه { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي وما هم في اتباع هذا الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ، إلا يخرصون خرصاً ، أي يحزرون حزراً ، أو يكذبون كذباً . أصل الخرص الحزر والتقدير للشيء الذي لا يجري على قياس من وزن أو كيل أو ذراع ، بل هو كخرص الثمر على الشجر والحب في الزرع ، ولكثرة الخطأ فيه أطلق على لازمه الغالب وهو الكذب ، فالظن الذي يبنى عليه يكون من أضعف الظن وأبعده عن الحق ، مثاله ما ذكرناه آنفاً من قياس الرب في تدبير أمور عباده على الملوك ، وهذا قياس شيطاني سمعته من جميع طبقات الجاهلين لعقائد الإسلام ، وتوحيد الرحمن ، حتى من يلقبون بالعلماء والباشوات ، ومثله قولهم في وسائلهم الذين يسمونهم الأولياء : إن الله يحبهم ، وكل من يحب أحداً فإنه يقبل وساطته وشفاعته ، فيقيسون تأثير عباد الله الصالحين عنده تعالى ، على تأثير أصدقاء الملوك والوجهاء ومعشوقيهم في قبولهم منهم جميع ما يطلبونه ، ويجهلون أن أفعال الله تعالى إنما تجري بمقتضى مشيئته الأزلية على وفق علمه الذاتي المحيط وحكمته البالغة العادلة ، وإن صفاته تعالى كاملة أزلية لا تؤثر فيها الحوادث وأن جميع أوليائه وأنبيائه وملائكته عبيد مملوكون له : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } [ الاسراء : 57 ] أي إن أقرب أولئك الذين يدعونهم ويتوسلون إليه تعالى بهم كالمسيح والملائكة ومن دونهم ، هم يتوسلون إليه راجين خائفين ، لا كأعوان الملوك الذين لا يقوم أمر ملكهم بدونهم ، ومعشوقيهم الذين لا يتم تمتعهم الشهواني إلا بهم . { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] هذا استدلال على مضمون ما قبله من نفي وجود شركاء له في الخلق والتقدير ، ولا بالشفاعة عنده في التصرف والتدبير ؛ أي هو الذي جعل لكم الوقت قسمين بمقتضى علمه ومشيئته بدون مساعد ولا شفيع ، بل بمحض الحكمة البالغة والرحمة الشاملة : أحدهما : الليل جعله مظلماً لأجل أن تسكنوا فيه بعد طول الحركة والتقلب في الأرض ، وتستريحون من التعب في طلب الرزق ، وثانيهما : النهار جعله مضيئاً ذا إبصار لتنتشروا في الأرض ، وتقوموا بجميع أعمال العمران والكسب ، والشكر للرب . فالمبصر هنا معطي الإبصار سببه حسياً كان أو معنوياً ، فالأول قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [ الاسراء : 12 ] الآية - والثاني قوله في هذه السورة أيضاً { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً } [ الاسراء : 59 ] أي آية مفيدة للبصيرة والحجة على صدق رسولهم ، ومثله قوله في سورة النمل : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ النمل : 13 ] . وقال قطرب : تقول العرب : أظلم الليل وأبصر النهار وأضاء بمعنى صار ذا ظلمة وذا إبصار وذا ضياء اهـ . وقد تكرر التذكير في التنزيل بآيات الله في الليل والنهار من خلقهما وتقديرهما ومنافع الناس فيهما ، وفي هذه الآية احتباك وهو أنه حذف من كل من آيتي الليل والنهار ما أثبت مقابله في الأخرى والعكس . وفي قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } مثله ، أي إن فيما ذكر لدلائل بينات ، وآيات أي آيات ، على وحدانيته في الذات والصفات لقوم يسمعون ما يتلى عليهم من التذكير بحكمه تعالى ونعمه فيها سماع فقه وتدبر ، ويبصرون ما في الكائنات من السنن الحكيمة إبصار تأمل ، ذكر الآيات السمعية المناسبة لليل الذي قدم ذكره ، وهي تدل على الآيات البصرية المناسبة للنهار وتذكير بها ، وهو أبلغ الإيجاز ، وقد جمع بينهما في مقام الإطناب من سورة القصص بقوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ القصص : 71 - 73 ] وأحسن بذلك الإطناب تفسيراً لما هنا من الإيجاز ، ولكل منهما موقعه من بلاغة الإعجاز .