Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 68-70)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات حكاية لنوع آخر من الكفر بالله تعالى قريب من كفر اتخاذ الشركاء له ، وهو زعمهم أنه اتخذ ولداً ، وقد اشترك فيه عباد الأصنام والأوثان وبعض أهل الكتاب ، فحكاه عنهم مفصولاً لأنه نوع مستقل وتعقبه بالإبطال . { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [ يونس : 68 ] فزعم المشركون أن الملائكة بنات الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقال بعض اليهود : عزير ابن الله ، وتقدم في سورة التوبة ( ويرى بعض المؤرخين أن عزيرا هو أوزيروس أحد آلهة قدماء المصريين ) { سُبْحَانَهُ } كلمة التسبيح معناها التنزيه والتقديس ، أي تسبيحاً له عز وجل عن كل ما لا يليق بربوبيته وألوهيته ، وتقال في مقام التعجب ، ويصح هنا جمع المعنيين كليهما ، وقفى على هذا التنزيه والتعجب بما يدل على بطلان قولهم بأفواههم ما ليس لهم به علم فقال : { هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي هو الغني بذاته عن الولد ، لأن كل ما في الوجود من العالم العلوي والسفلي ملك وعبيد له لا يحتاج منها إلى شيء ، ويحتاج إليه كل شيء ، ولا يشبهه أو يجانسه منها شيء ، فالإنسان يحتاج إلى الولد لأمور منها بقاء ذكره به وبذريته ، ومنها أنه قوة وعصبة له يعتز به هو وعشيرته ، ومنها أن وجوده زينة له في داره يلهو به في صغره ، ويفاخر به أقرانه في كبره ، ومنها أنه قد يحتاج إليه لقضاء مصالحه وتنمية ثروته ، وقد يحتاج إلى رفده وبره ، عند عجزه أو فقره ، والله تعالى لا يحتاج إلى شيء من هذه المنافع لأنه هو الغني عن كل شيء بذاته لذاته أزلاً وأبداً . { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ } : " إن " هنا نافية و " من " مؤكدة لهذا النفي مفيدة لعمومه ، والسلطان الحجة والبرهان ، والجملة تجهيل لهم ورد عليهم ، أي ما عندكم أي نوع من أنواع الدليل والبرهان متعلق بهذا القول الذي تقولونه من غير عقل وعلم ولا وحي إلهي ، تعارضون به هذا البرهان العقلي ، وهو تنزيه الله وغناه المطلق عن الولد وغيره ، وكونه المالك لكل شيء مما في السماوات والأرض . { أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } هذا استفهام تبكيت وتوبيخ على أقبح الجهل والكفر ، وهو قولهم على الله تعالى ما ليس لهم به علم ، ولا سيما بعد مجيء ما ينقضه من العلم البرهاني ، والوحي الإلهي ، قال البيضاوي وغيره : وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة ، وأن العقائد لا بد لها من قاطع ، وإن التقليد فيها غير سائغ اهـ . وقد تقدم حكاية اتخاذ الولد عن الكفار عامة وعن النصارى خاصة في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام ، وسيأتي في سور أخرى مع إبطاله وتفنيده بالدلائل ووجوه الحجة المختلفة الأساليب ، أو التقريع والتأنيب ، والإنذار والوعيد . { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } [ يونس : 69 ] باتخاذهم الشركاء له ، أو بزعمهم اتخاذه ولداً لنفسه ، أو بغير ذلك من التحليل والتحريم ، وغيرهما من مسائل التشريع ، أو بدعوى ولايتهم وإطلاعه إياهم على أسرار خلقه وتصريفه لهم في ملكه ، وقد تقدم بعضه في هذه السورة 17 و59 و60 { لاَ يُفْلِحُونَ } أي لا يفوزون بما يؤملون من النجاة من عذاب الآخرة والتمتع بنعيمها بشفاعة الولد أو الشركاء الذين اتخذوهم له تعالى أو فدائهم لهم من عذاب النار . { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا } [ يونس : 70 ] هذا جواب لسؤال مقدر قد يرد على نفي فلاحهم بالإطلاق الذي يدخل فيه منافع الدنيا ، والمفترون على الله بكل نوع من أنواع الافتراء المقبولة عند الجاهلين ، - لهم كثير من المنافع المادية والمعنوية من هؤلاء المساكين ، وأكثر البشر لا يزالون جاهلين يخضعون لهؤلاء الزعماء الملبسين ، فهو يقول : هذا متاع قليل - أو لهم متاع في الدنيا حقير ، يتلهون به في حياة قصيرة فأما قلته وحقارته فيدل عليها تنكيره مع القرينة ، وأما قصر الحياة التي يكون في بعضها فمعلوم بالاختيار ، فمهما يبلغ هذا المتاع من كثرة المال وعظمة الجاه في هذه الحياة فلا يكون إلا قليلاً بالنسبة إلى ما عند الله في الآخرة للصادقين المتقين كما صرحت به الآيات الكثيرة ، وبالنسبة إلى ما لهم من ضد ذلك كما صرح به في قوله { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } بالبعث بعد الموت ، وما فيه من أهوال الحشر والحساب والعرض . { ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } بآياتنا ونعمنا ، وبالافتراء علينا ، وتكذيب رسلنا أو الكذب عليهم بعد أن تقوم عليهم الحجة في الحساب بأنهم يستحقونه بظلمهم لأنفسهم وأننا لا نظلمهم شيئاً ، وتقدم ذكر الرجوع إليه تعالى وما يليه من الجزاء في هذه السورة وغيرها .