Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 7-10)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات بيان لحال منكري البعث والغافلين وحال المؤمنين الصالحين في الدنيا وجزائهما في الآخرة ، فيه تفصيل لما سبق في الآية الرابعة . قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } قال الفيومي في المصباح : رجوته أرجوه رجواً - على فعول - أمَلته أو أردته ، قال تعالى : { لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } [ النور : 60 ] أي يريدونه ، والاسم الرجاء بالمد ، ورجيته أرجيه من باب رمى لغة ، ويستعمل بمعنى الخوف ، لأن الراجي يخاف أنه لا يدرك ما يترجاه اهـ . وقال الراغب : الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة ، وقوله تعالى : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] قيل : ما لكم لا تخافون ؟ ومثل الزمخشري في الأساس لحقيقة الرجاء بالمغفرة من الله ، والرشد في الولد والإحسان من أهل الإحسان ، ثم قال : ومن المجاز استعمال الرجاء في معنى الخوف والاكتراث ، يقال : لقيت هولاً ما رجوته وما ارتجيته . ومثل له بشعر . والتحقيق أن الرجاء الأمل والتوقع لما فيه خير ونفع ، وأن الخوف توقع ما فيه شر وضر ، فهما متقابلان كما قال تعالى : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [ الاسراء : 57 ] وما في هذه الآية والآيتين 11 و15 من هذه السورة والآية 21 من سورة الفرقان من رجاء لقاء الله منفياً يحتمل الرجاء والخوف جميعاً لأن لقاء الله تعالى في يوم الحساب مظنة الخوف لقوم والرجاء لآخرين ، ولذلك قال في الكافرين { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } [ النبأ : 27 ] وفسر بعض المحققين الرجاء هنا بمجرد التوقع الذي يشمل ما يسر وما يسوء . واللقاء الاستقبال والمواجهة . والمعنى إن الذين لا يتوقعون لقاءنا في الآخرة للحساب ، وما يتلوه من الجزاء على الأعمال ، لإنكارهم البعث ، ويلزمه أنهم لا يؤملون لقاءه الخاص بالمتقين في دار الكرامة ، وخصه بعضهم بلقاء الرؤية { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا } بدلاً من الآخرة ، فصار كل همهم من الحياة محصوراً فيها ، وكل عملهم لها ، كما قال في المتثاقلين عن النفير للجهاد { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } [ التوبة : 38 ] الآية { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } بسكون نفوسهم وارتياح قلوبهم بشهواتها ولذاتها وزينتها ليأسهم من غيرها { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } فلا يتدبرون المنزلة منها على رسولنا وما فيها من المواعظ والعبر ، والمعارف والحكم ، ولا يتفكرون في الكونية وما تدل عليه من حكمته وسنته في خلقه ، وما يقتضيه كل منهما من الجهاد وصالح الأعمال ، فكانوا بهذه الغفلة كالفريق الأول الذي لا يرجو لقاءنا ، في أن كلاً منهما تشغله دنياه عن آخرته ، فلا يستعد لحسابنا له ، وما يتلوه من نعيم مقيم أو عذاب أليم . { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، الإشارة بأولئك إلى الفريقين ، أي مأواهم في الآخرة دار العذاب ( النار ) بما كانوا يكسبون مدة حياتهم الدنيا من الخطايا والذنوب المدنسة لأنفسهم بخرافات الوثنية ، وأعمال الشهوات الحيوانية وظلمات المظالم الوحشية ، واستمرارهم عليها الذي دنس أنفسهم وأحاط بها ، فلم يعد لنور الحق والخير مكان فيها . والمأوى في أصل اللغة الملجأ الذي يأوي إليه المتعب أو الخائف أو المحتاج من مكان آمن أو إنسان نافع ، كما ترى في استعمال أفعاله في جميع الآيات كقوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } [ الضحى : 6 ] { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } [ الكهف : 10 ] { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } [ الأنفال : 72 ] { آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } [ يوسف : 69 ] { أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [ هود : 80 ] إلخ ، إلا لفظ المأوى فإنه أطلق على الجنة في ثلاث آيات وعلى النار في بضع عشرة آية منها آية يونس هذه ، وفي تسمية دار العذاب مأوى معنى دقيق في البلاغة دخيل في أعماقها ، فائض من جميع أرجائها ، يشعرك بأن أولئك المطمئنين بالشهوات ، والغافلين عن الآيات ليس لهم مصير يلجؤون إليه بعد هول الحساب ، إلا جهنم دار العذاب ، فويل لمن كانت هذه الدار له كالملجأ والموئل ؛ إذ لا مأوى له يلجأ إليه بعدها . هذا بيان لجزاء الفريق الأول من المكلفين بقسميه والقارئ والسامع له تستشرف نفسه لجزاء الفريق الآخر والعلم بسببه وقد بينه بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أي يهديهم بسبب إيمانهم به صراطه المستقيم في كل عمل من أعمالهم التي تزكي أنفسهم وتهذب أخلاقهم ، وصفهم أولاً بالإيمان والعمل الصالح الذي هو لازم الإيمان ومغذيه ومكمله بصيغة الماضي لبيان صنفهم وفريقهم المقابل للفريق الذي ذكر قبلهم ، وأخبر بهداية إيمانهم لهم بصيغة المضارع الدالة على الاستمرار والتجدد ، كما أخبر عن كسب الكفار بهذه الصيغة ، وجعل الإيمان وحده سبب هذه الهداية لأنه هو الباعث النفسي لها ، والمعنى : أنه يهديهم الصراط المستقيم الذي ينتهي بهم إلى دار الجزاء التي قال في بيان حالهم فيها . { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي تجري من تحت مقاعدهم من غرفات تلك الجنات ومن تحت أشجارها ، وتقدم لفظ { جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } في سورة المائدة [ المائدة : 65 ] ولفظ : { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } في سورة الأعراف [ الأعراف : 43 ] وأما { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } يعني الجنة فقد تقدم مكرراً في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والتوبة . والآية صريحة في معنى الآيات الكثيرة الناطقة بأن دخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح معاً ، لأن الإيمان الصحيح بدون الإسلام ، وهو العمل لا يوجد إلا في حال من يموت عقب إيمانه قبل أن يتمكن من العمل ، ودخول مثل هذا الجنة لا يعارض هذه النصوص العامة للأحوال العادية الغالبة . { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } في هذه الآيات بيان لكلمات ثلاث تمثل حياة أهل الجنة الروحانية في عامة أحوالهم من مبادئ دعاء ربهم وتنزيهه ، وما يدعونه أي يطلبونه من فضله وكرامتهم ، ومن تحيته تعالى وتحية ملائكته لهم ، ومن تحيتهم فيما بينهم عند تزاورهم أو تلاقيهم ، ومن حمدهم له في خواتيم أقوالهم وأفعالهم وهي خير الكلم وأخصره وأعذبه . الدعوى في اللغة الدعاء بمعانيه والدعاوة في الشيء والادعاء للشيء ، فالدعاء للناس هو النداء والطلب المعتاد بينهم في دائرة الأسباب المسخرة لهم ، والدعاء التعبدي لله نداؤه وسؤاله والرغبة فيما عنده الصادر عن الشعور بالحاجة إليه والضراعة له فيما لا يقدر عليه أحد من خلقه ، ولا سيما دفع الضر وجلب النفع مما يعجز عنه العبد من طريق الأسباب ، للإيمان بأنه سبحانه هو المسخر لها والهادي إليها ، والقادر على تصريفها ، وعلى المن بها من غير طريقها ، والدعوى للشيء تشمل في اللغة تمنيه وقوله وطلبه من مالكه ، وادعاء ملكيته ، وهذه المعاني كلها للفظ الدعوى تصح إرادتها من أهل الجنة إلا الأخير منها وقول بعض المفسرين وغيرهم إن من معاني الدعاء العبادة لا يصح على إطلاقه في العبادة الشرعية التكليفية ، فإن الصيام لا يسمى دعاء لغة ولا شرعاً ، وإنما الدعاء هو مخ العبادة الفطرية ، وأعظم أركان التكليفية منها ، كما ورد في الحديث ، فكل دعاء شرعي عبادة وما كل عبادة شرعية دعاء . والتسبيح تنزيه الله تعالى وتقديسه ، وكلمة ( اللهم ) نداء له عز وجل أصله يا الله . والمعنى أنهم يبدؤون كل دعاء وثناء يناجون به الله عز وجل وهو النعيم الروحاني ، وكل طلب لكرامة أو لذة من لذات الجنة وهو النعيم الجسماني ، بهذه الكلمة : سبحانك اللهم ، أي تنزيهاً وتقديساً لك يا الله ، قيل أو بما تدل عليه وإن كان بلفظ آخر ، وأن تحيتهم فيها كلمة ( سلام ) الدالة على السلامة من النقص والآثام ، وهي تحية المؤمنين في الدنيا ، وهذه التحية تكون منه عز وجل لهم كما قال في سورة الأحزاب : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [ الأحزاب : 44 ] وفي سورة يس : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] وتكون من الملائكة لهم عند دخول الجنة كما قال في سورة الزمر { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] ومثله في سورة النحل { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] وفي كل وقت يدخلون فيه عليهم كما قال في سورة الرعد { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 23 - 24 ] وتكون منهم بعضهم لبعض وهو المتبادر من قوله تعالى في سورة مريم { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [ مريم : 62 ] وفي سورة الواقعة { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 25 - 26 ] فإن اللغو والتأثيم من شأن كلام البشر فلما نفى وقوعهما منهم في الجنة واستدرك على نفيه باستثناء كلمة : " سلام " استثناء منقطعاً ترجح أن يكون المراد به سلام بعضهم على بعض أو عاماً يشمله . والجملة في آيتنا { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } تشمل الأنواع كلها ، وإنه لإيجاز بليغ غفل عنه من نعرف من المفسرين لغفلتهم عن هذه الأنواع . وأما قوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فمعناه أن الحمد له جل ثناؤه هو آخر كل حال من أحوال أهل الجنة من دعاء يناجون به الله تعالى ، ومطلب يطلبونه من إحسانه وإكرامه ، كما أنه أول ثنائهم عليه عند دخولها . كما قال في آخر سورة الزمر بعد آية السلام وعليهم من الملائكة { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [ الزمر : 74 ] وآخر كلام الملائكة أيضاً وهو قوله بعده { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الزمر : 75 ] . فعلى كل قارئ لهذه الآية الجامعة - وقد فسرناها له هنا بما في معناها من الآيات في السور الأخرى - أن يمثل لنفسه حالة أهل الجنة في هذه الكلمات الثلاث المبينة لنعيمهم الروحاني بلقاء الله عز وجل ومناجاته في جميع أطوارهم ، ولما يكون بينهم وبين ملائكته وبين بعضهم مع بعض ، ومنه يعلمون أن معظم نعيم الجنة روحاني فعليهم أن يستعدوا لها بتزكية أنفسهم ، وترقية أرواحهم ، وأن يعلموا أنهم لن يكونوا أهلاً لها بالاتكال على التوسلات بأشخاص الأولياء والتمني لشفاعاتهم { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 123 - 124 ] { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [ الاسراء : 72 ] . ومن التفسير المأثور في الآية ما أخرجه ابن مردويه عن أبي بن كعب مرفوعاً عن أهل الجنة : " إذا قالوا : سبحانك اللهم - أتاهم ما اشتهوا من الجنة " وروي مثله عن بعض التابعين . فالكلمة علامة بين أهل الجنة وخدمهم في إحضار الطعام وغيره ، فإذا أكلوا حمدوا الله تعالى . وهذا مما يدخل في عموم ما تقدم سواء أصحت الرواية أم لا .