Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 94-97)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الأربع فذلكة هذا السياق الذي كان ذكر قصص الأنبياء شواهد فيه ، وهي تقرير صدق القرآن في دعوته ووعده ووعيده ، وكونه لا مجال للامتراء فيه ، وبيان الداعية النفسية للمكذبين بآياته ، وتوجيه الاعتبار إلى أهل مكة مقروناً بالإنذار ، بأسلوب التعريض والتلطف في العبارة ، على حد : إياك أعني واسمعي يا جارة . { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [ يونس : 94 ] أي فإن كنت أيها الرسول في شك مما أنزلنا في هذه الشواهد من قصة موسى ونوح وغيرهما على سبيل الفرض والتقدير ، الذي ذكر على عادة العرب في تقدير الشك في الشيء ليبني عليه ما ينفي احتمال وقوعه أو ثبوته أمراً أو نهياً أو خبراً ، كقول أحدهم لابنه : إن كنت ابني فكن شجاعاً أو فلا تكن بخيلاً ، أو فإنك ستكون أو ستفعل كذا - بل يفرضون سؤال الديار والأطلال أيضاً منه قول المسيح في جواب سؤال الله تعالى إياه { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } [ المائدة : 116 ] وهذه الجملة الشرطية محل الشاهد ، فهو عليه السلام يعلم أنه لم يقل ذلك ، ولكنه يفرضه ليستدل عليه بأنه لو قاله لعلمه الله منه . وبعض العلماء يجري على هذا الأسلوب فيشكك تلميذه أو مناظره فيما لا شك فيه عندهما ليبني عليه حكماً آخر . ويجب في مثل هذا أن يكون فعل الشرط بإن التي وضعت للدلالة على عدم وقوعه أو تنزيله منزلة ما لا يقع ، دون إذا الدالة على أن الأصل في فعل شرطها الوقوع { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } [ يونس : 94 ] هذا جواب الشرط المقدر ، قال ابن عباس لم يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسأل ، وروي مثله عن سعيد بن جبير والحسن البصري قالاه فهماً لغوياً ، وروي عن قتادة خبراً قال : ذكر لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا أشك ولا أسأل " ولم يسم الصحابي الذي ذكره فهو مرسل . والمراد بالكتاب جنسه ، أي فاسأل الذين يقرءون كتب الأنبياء كاليهود والنصارى فإنهم يعلمون أن ما أنزلناه إليك من الشواهد حق لا يستطيعون إنكاره ، وقال بعض المفسرين إن المراد سؤال من آمن منهم كعبد الله بن سلام من علماء اليهود ، وتميم الداري من علماء النصارى ولا حاجة إليه ، والآية بل السورة نزلت في مكة ولم يكن أحد من أهل الكتاب آمن . ومما يؤكد كون السؤال مفروضاً فرضاً قوله : { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } فهذه الشهادة المؤكدة بالقسم من ربه ، تجتث احتمال إرادة الشك والسؤال بالفعل من أصله ، ويزيدها تأكيداً قوله تعالى : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي من فريق الشاكين الذين يحتاجون إلى السؤال ، وهذا النهي والذي بعده يدلان على أن فرض وقوع الشك والسؤال فيما قبلهما عنه تعريض بالشاكين والممترين والمكذبين له صلى الله عليه وسلم من قومه . { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ يونس : 95 ] يعني أن كل من كان من المكذبين فهو من الخاسرين ، الذين خسروا أنفسهم بالحرمان من الإيمان وما يتبعه من سعادة الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين ، وإن فرض أنه أول المؤمنين ، محمد رسول الله وخاتم النبيين ، ورحمته للعالمين ، وإن الممترين الشاكين فيما أنزل إليك كالمكذبين بآيات الله جحوداً بها وعناداً ، كلاهما سواء في الخسران المذكور لحرمان الجميع من الاهتداء بها وما له من ربح سعادة الدنيا والآخرة . وهذا النوع من الأمر والنهي للمؤتمر المنتهي والمراد غيره على سبيل التعريض أبلغ من قوله تعالى : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ سبأ : 24 - 25 ] ولكل منهما موقع وتأثير خاص في استمالة الكافرين إلى التأمل والتفكر في مضمون الدعوة . { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 96 ] أي إن الذين ثبتت عليهم كلمة العذاب من ربك وهي كلمة التكوين الدالة على سنته فيمن فقدوا الاستعداد للاهتداء ، لا يؤمنون لرسوخهم في الكفر والطغيان ، وإحاطة خطاياهم وجهالاتهم بهم من كل مكان ، وإعراضهم عن آيات الإيمان ، هذا معنى قوله : { لاَ يُؤْمِنُونَ } لا أنه تعالى منعهم من الإيمان منعاً خلقياً قهرياً لا كسب لهم فيه ولا اختيار وهذا بمعنى الآية 33 من هذه السورة فراجع تفسيرها . { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } [ يونس : 97 ] من الآيات الكونية كآيات موسى التي اقترحوها عليك أيها الرسول ، والآيات المنزلة كآيات هذا القرآن العلمية العقلية الدالة بإعجازها على كونها من عند الله ، وعلى حقّية ما تدعوهم إليه وتنذرهم إياه ، { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } بأعينهم ، ويذوقوه بوقوعه بهم ، وحينئذ يكون إيمانهم اضطرارياً لا يعد فعلاً من أفعالهم ، ولا يترتب عليه عمل يطهرهم ويزكي أنفسهم ، بل يقال لهم : { الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [ يونس : 51 ] كما قيل لفرعون : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 91 ] .