Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 84-86)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الثلاث في تبليغ شعيب قومه الدعوة وهي الأمر بتوحيد الله في العبادة والنهي عن أشد الرذائل فشواً فيهم والأمر بالفضيلة التي تقابلها . { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [ هود : 84 ] معطوف على ما تقدمه مثله أي وأرسلنا إلى أهل مدين أخاهم في النسب شعيباً { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } اعبدوا الله وحده ولا تعبدوا معه غيره ما لكم من إله غيره فيعبد ، وهذا ما كان يدعو إليه جميع رسل الله كما تقدم . ثم انتقل إلى ما هو خاص بهم من الأحكام العملية فقال { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } فيما تكيلون وما تزنون من المبيعات كما هي عادتكم ، وكانوا تجاراً مطففين { إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [ المطففين : 2 - 3 ] أي : ينقصون ، { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } أي بثروة وسعة في الرزق ، يجب أن ترفع أنفسكم عن دناءة بخس حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل ، بما تنقصون من المبيع لهم من مكيل وموزون . وهو كفر لنعمة الله عليكم بالغنى والسعة ، والواجب عليكم شكرها بالزيادة على سبيل الإحسان ، فالجملة تعليل للنهي عن النقصان { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } أي عذاب يوم محيط ما يقع فيه من العذاب بكم إذا أنتم أصررتم على شرككم بالله بعبادة غيره ، وكفركم بنعمه بنقص المكيال والميزان . وهذا اليوم يصدق بيوم القيامة ويوم عذاب الاستئصال . { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } [ هود : 85 ] لا ينسين القارئ ما تقدم من حكمة تكرار النداء بلقب قومي من الاستعطاف ، وهذا أمر بالواجب بعد النهي عن ضده لتأكيده ، وتنبيه لكون عدم التعمد للنقص لا يكفي لتحري الحق ، بل يجب معه تحري الإيفاء بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقص ، وإن كانت الثقة به لا تحصل أو لا تتيقن إلا بزيادة قليلة ، فهي قد تدخل في باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . وتعمدها في الكيل أو الوزن للناس سخاء فهو فضيلة مندوب ، وفي الاكتيال أو الوزن عليهم طمع فهو رذيلة محظور { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } هذا أعم مما سبقه فإن البخس يشمل النقص والعيب في كل شيء ، يقال بخسه ( من باب نفع ) حقه وبخسه ماله وبخسه علمه وفضله . والأشياء جمع شيء وهو أعم الألفاظ وجمعه يشمل ما للأفراد وما للجماعات والأقوام من مكيل وموزون ومعدود ومحدود بالحدود الحسية ومن حقوق مادية ومعنوية ، وقد فصلنا هذا وبينا العبرة فيه بتعامل أهل الشرق مع أهل الغرب في هذا العصر في تفسير سورة الأعراف ( 7 : 85 ) فتراجع في ص 528 من الجزء الثامن . { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي ولا تفسدوا فيها حال كونكم متعمدين للإفساد ، يقال عثي يعثى ( كرضي يرضى ) عثيا بكسرتين وتشديد الياء - وعثا يعثو ( كغزا يغزو ) عثواً بضمتين والتشديد أيضا - أفسد ، وهذا نهي آخر عام يشمل غير ما تقدم كقطع الطرق وتهديد الأمن والخروج على السلطان وقطع الشجر وقتل الحيوان ، وقيده بقصد الإفساد لأن بعض ما هو إفساد في الظاهر قد يراد به الإصلاح أو دفع أخف الضررين كالذي يقع في الحرب من قطع الأشجار ، أو فتح سدود الأنهار ، أو إحراق بعض الأشياء بالنار ، ومنه خرق الخضر للسفينة التي كانت لمساكين يعملون في البحر لمنع الملك الظالم الذي وراءهم من أخذها إذا أعجبته . والإفساد تعطيل يشمل مصالح الدنيا وصفات النفس وأخلاقها وأمور الدين ، وكل هذه المفاسد فاشية في هذا العصر . { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ هود : 86 ] أي ما يبقى لكم بعد إيفاء الكيل والميزان من الربح الحلال ، خير لكم مما تأخذونه بالتطفيف ونحوه من الحرام ، أو بقية الله الأعمال الصالحة التي يبقى أثرها الحسن في الدنيا وثوابها في الآخرة ، وقال ابن عباس : هي رزق الله ، ومجاهد طاعة الله ، والربيع وصية الله ، والفراء مراقبة الله ، وقتادة حظكم من الله { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } به حق الإيمان فإن الإيمان هو الذي يطهر النفس من دناءة الطمع ، ويحليها بفضيلة القناعة والكرم والسخاء { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } فأحفظكم من هذه المعاصي والرذائل أو أعاقبكم عليها ، وإنما أنا مبلغ عليم وناصح أمين .