Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-20)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هاتان الآيتان في استعباد قافلة من التجار ليوسف عليه السلام والاتجار به . { وَجَاءَتْ } [ يوسف : 19 ] ذلك المكان الذي كانوا فيه { سَيَّارَةٌ } صيغة مبالغة من السير ( كجوالة ، وكشافة ) أي جماعة أو قافلة وفي سفر التكوين أنهم كانوا من الإسماعيليين أي من العرب { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } المختص بورود الماء للاستقاء لهم { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } أي أرسله ودلاه في ذلك الجب فتعلق به يوسف فلما خرج ورآه { قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ } يبشر به جماعته السيارة قرأها الجمهور يا بشراي بالإضافة إلى ياء المتكلم والكوفيون بدونها وأمال ألفها حمزة والكسائي . ونداء البشرى معناه أن هذا وقتها وموجبها فقد آن لها أن تحضر ، ومثله قولهم يا أسفى ويا أسفي ، ويا حسرتا ويا حسرتي ، إذا وقع ما هو سبب لذلك . فاستبشر به السيارة { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } أي أخفوه من الناس لئلا يدعيه أحد من أهل ذلك المكان لأجل أن يكون بضاعة لهم من جملة تجارتهم ، والبضاعة ما يقطع من المال ويفرز للاتجار به ، مشتق من البضع وهو الشق والقطع ومنه البضعة والبضع من العدد وهي من ثلاث إلى تسع والبضعة من اللحم وهي القطعة . وما قيل من أن الذين أسروه هم الوارد الذي استخرجه ومن كان معه دون سائر السيارة أو أن الضمير في أسروه لإخوة يوسف فهو خلاف الظاهر { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي بما يعمله هؤلاء السيارة وما يعمله إخوة يوسف فلكل منهم أرب في يوسف : السيارة يدعون بالباطل أنه عبد لهم فيتجرون به ، وإخوة يوسف أمرهم مع أبيهم في إخفائه وتغريبه ودعوى أكل الذئب إياه معلوم وأنه كيد باطل ، وحكمة الله تعالى فيه فوق كل ذلك . { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } شرى الشيء يشريه باعه واشتراه ابتاعه ، أي باعوه بثمن قليل ناقص عن ثمن مثله على أنه ليس له مثل ، هو دراهم لا دنانير ، معدودة لا موزونة ، وإنما يعد القليل ويوزن الكثير ، وكانت العرب تزن ما بلغ الأوقية وهي أربعون درهما فما فوقها وتعد ما دونها ، ولهذا يعبرون عن القليلة بالمعدودة ، والبخس في اللغة الناقص والمعيب { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } [ الأعراف : 85 ] وروي تفسيره هنا بالحرام وبالظلم لأنه بيع حر فيكون وصفه بدراهم معدودة مستقلا لا تفسيراً لبخس وظاهر النظم إن الذين شروه هم السيارة . وفي سفر التكوين أن إخوته قرروا بيعه للإسماعيليين ، وقد أخرجه من الجب جماعة من مدين وباعوه لهم وقد بعد ذكرهم ، ويحتمل أن يكون لفظ شروه وقد استعمل بمعنى اشتروه وهو مسموع ، ويكون المراد أنهم اشتروه من إخوته بثمن بخس ثم باعوه في مصر بثمن بخس أيضا ، وهو إدماج من دقائق الإيجاز ، وأما الثمن البخس الذي بيع به ففي سفر التكوين أنه كان عشرين ( شاقلا ) من الفضة وقدر علماء التاريخ القديم الشاقل بخمسة عشر غراما من الوزن العشري اللاتيني المعروف في عصرنا فيكون ثمنه 300 غرام من الفضة ، وهي تقرب من 94 درهما من دراهمنا اليوم ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عشرون درهما ولعله سمعه عن اليهود فظن أن العشرين عندهم هي الدراهم عند العرب { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } أي وكان هؤلاء الذين باعوه من الراغبين عنه الذين يبغون الخلاص منه لئلا يظهر من يطالبهم به لأنه حر ، والثمن لم يكن مقصودا لهم ولهذا قنعوا بالبخس منه .