Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن أمرنا تعالى بالإنفاق في سبيله قبل أن يأتي يوم لا مال فيه ولا كسب ، ولا ينجي من عقابه فيه شفاعة ولا فداء . انتقل كدأب القرآن إلى تقدير أصول التوحيد والتنزيه التي تشعر متدبّرها بعظيم سلطانه تعالى ووجوب الشكر له والإذعان لأمره والوقوف عند حدوده وبذل المال في سبيله وتحول بينه وبين الغرور والإتّكال على الشفاعات والمكفّرات التي جرّأت الناس على نبذ كتاب الله وراء ظهورهم فقال : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } فسّر الجلال الإله بالمعبود بحقّ والحي بالدائم البقاء والقيّوم بالمبالغ بالقيام بتدبير خلقه وقد استحسن الأستاذ الإمام قوله في تفسير كلمة التوحيد وقال إنّ تفسيره لكلمة { إِلَـٰهَ } هو الشائع وهو إنّما يصحّ إذا حملنا العبادة على معناها الحقيقي وهو استعباد الروح وإخضاعها لسلطان غيبي لا تحيط به علماً ، ولا تعرف له كنهاً ، فهذا هو معنى التأليه في نفسه وكلّ ما ألهه البشر من جماد ونبات وحيوان وإنسان فقد اعتقدوا فيه هذا السلطان الغيبي بالاستقلال أو بالتبع لإله آخر أقوى منه سلطاناً . ومن ثمّ تعدّدت الآلهة المنتحلة وكلّ تعظيم واحترام ودعاء ونداء يصدر عن هذا الإعتقاد فهو عبادة حقيقية وإن كان المعبود غير إله حقيقة ، أي ليس له هذا السلطان الذي إعتقده العابد له ، لا بالذات ولا بالتوسط إلى ما هو أعظم منه . فالإله الحقّ هو الذي يعبد بحقّ وهو واحد والآلهة التي تعبد بغير حقّ كثيرة جدّاً ، وهي غير آلهة في الحقيقة ولكن في الدعوى الباطلة التي يثيرها الوهم . ذلك أنّ الإنسان إذا رأى أو سمع أو توهم أنّ شيئاً غريباً صدر عن موجود بغير علّة معروفة ولا سبب مألوف ، يتوهم أنّه لو لم تكن له تلك السلطة العليا والقوّة الغيبية لما صدر عنه ذلك ، حتّى إنّ الذين يعتقدون النفع ببعض الشجر والجماد كشجرة الحنفي ونعل الكلشني يعدّون عابدين لها حقيقة . والحاصل أنّ معنى " لا إله إلاّ هو " ليس في الوجود صاحب سلطة حقيقية على النفوس يبعثها على تعظيمه والخضوع له قهراً منها معتقدة أنّ بيده منح الخير ورفع الضرّ بتسخير الأسباب أو بإبطال السنن الكونية إلاّ الله تعالى وحده . قال الأستاذ الإمام : وأمّا الحي فهو ذو الحياة وهي مبدأ الشعور والإدراك والحركة والنمو . ومثّل لذلك بالنبات والحيوان ، فإنّ كلاً منهما حي وإن تفاوتت الحياة فيهما فكانت في الحيوان أكمل منها في النبات . قال والحياة بهذا المعنى ممّا ينزّه الله تعالى عنه لأنّه محال عليه . ولذلك فسّر مفسّرنا " الحي " بالدائم البقاء وهو بعيد جدّاً لا يفهم من اللفظ مطلقاً وإنّما معنى الحياة بالنسبة إليه سبحانه مبدأ العلم والقدرة أي الوصف الذي يعقل معه الإتّصاف بالعلم والإرادة والقدرة . وهذا الوصف يبطل قول الماديين الذين يزعمون أنّ مبدأ الكون علّة تتحّرك بطبعها ولا شعور لها بنفسها ولا بحركتها وما ينشأ عنها من الأفعال والآثار . أي إنّ هذا النظام والإحكام في الخلق من آثار المادّة الميتة التي لا شعور لها ولا علم . اختصر الأستاذ الإمام في الدرس فلم يزد على نحو ما ذكرنا في حياة الله تعالى شيئاً والمتكلّمون يستدلّون على حياة الله تعالى بالعقل من وجهين . أحدهما : أنّه تعالى عليم مريد قدير : وهذه الصفات لا تعقل إلاّ للحي وفيه أنّه من قياس الغائب على الشاهد كما يقولون أو من قياس الواجب على الممكن . وثانيهما : أن الحياة كمال وجودي وكلّ كمال لا يستلزم نقصاً يستحيل على الواجب فهو واجب له . وهذا ما قدّمه الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد . وقد قدّم له بمقدّمة نفيسة في صفات الواجب . قال رحمه الله تعالى : " معنى الوجود وإن كان بديهياً عند العقل ولكنّه يتمثّل له بالظهور ثمّ الثبات والاستقرار وكمال الوجود وقوّته بكمال هذا المعنى وقوّته بالبداهة " . " كلّ مرتبة من مراتب الوجود تستتبع بالضرورة من الصفات الوجودية ما هو كمال لتلك المرتبة في المعنى السابق ذكره . وإلاّ كان الوجود لمرتبة سواها وقد فرض لها . ما يتجلّى للنفس من مثل الوجود ما لا ينحصر ، وأكمل مثال في أي مرتبة ما كان مقروناً بالنظام والكون على وجه ليس فيه خلل ولا تشويش فإن كان ذلك النظام بحيث يستتبع وجوداً مستمراً وإن كان في النوع كان أدل على كمال المعنى الوجودي في صاحب المثال " . " فإن تجلّت للنفس مرتبة من مراتب الوجود على أن تكون مصدراً لكلّ نظام كان ذلك عنواناً على أنّها أكمل المراتب وأعلاها وأرفعها وأقواها " . " وجود الواجب هو مصدر كلّ وجود ممكن كما قلنا وظهر بالبرهان القاطع فهو بحكم ذلك أقوى الوجودات وأعلاها فهو يستتبع من الصفات الوجودية ما يلائم تلك المرتبة العلية وكلّ ما تصوّره العقل كمالاً في الوجود من حيث ما يحيط به من معنى الثبات والاستقرار والظهور وأمكن أن يكون له وجب أن يثبت له وكونه مصدراً للنظام وتصريف الأعمال على وجه لا إضطراب فيه يعدّ من كمال الوجود كما ذكرنا فيجب أن يكون ذلك ثابتاً له . فالوجود الواجب يستتبع من الصفات الوجودية التي تقتضيها هذه المرتبة ما يمكن أن يكون له " . " فما يجب أن يكون له صفة الحياة وهي صفة تستتبع العلم والإرادة وذلك أنّ الحياة ممّا يعتبر كمالاً للوجود بداهة فإنّ الحياة مع ما يتبعها مصدر النظام وناموس الحكمة ، وهي في أي مراتبها مبدأ الظهور والاستقرار في تلك المرتبة . فهي كمال وجودي ويمكن أن يتّصف بها الواجب . وكلّ كمال وجودي يمكن أن يتّصف به وجب أن يثبت له فواجب الوجود حي وإن باينت حياته الممكنات فإنّ ما هو كمال للوجود إنّما هو مبدأ العلم والإرادة ولو لم تثبت له هذه الصفة لكان في الممكنات ما هو أكمل منه وجوداً . وقد تقدّم أنّه أعلى الوجودات وأكملها فيه " . " والواجب : هو واهب الوجود وما يتبعه فكيف لو كان فاقداً للحياة يعطيها ؟ فالحياة له كما أنّه مصدرها " . اهـ . أقول : وهذا تحقيق دقيق لا تجد مثله لغير هذا الإمام العارف والحكيم المحقّق ولا يعقله إلاّ أولو الألباب . وقد كنت كتبت في كتاب العقائد الذي ألّفته باقتراحه رحمه الله تعالى على وجه يليق بمعارف هذا العصر ويفيد طلاّب علومه كلاماً في حياة الله تعالى قريباً من الأفهام ، واطّلع عليه فأعجبه . وإنّني أحبّ إيراده هنا لأنّني لم أر في كتب التفسير ولا في كتب الكلام كلاماً ممتعاً في هذا المقام . وهو وارد بأسلوب السؤال من تلميذ مبتدئ في المدارس والجواب من أخيه وهو عالم عصري طبيب نعبّر عنه بالشاب ، ومن أبيه وهو عالم صوفي نعبّر عنه بالشيخ : وهذا نصّه باختصار ما : قال التلميذ : تنبت الشجرة صغيرة ثمّ تنمو حتّى تكون في زمن قريب أضعاف ما كانت ، فمن أين تجيء هذه الزيادة . وكيف تدخل في بنيتها وتتفرّق فتأخذ الساق منها حظّاً والفروع حظّاً وكذلك الورق والثمر ؟ الشاب : إنّ هذه الزيادة التي تدخل في بنية النبات بعضها من الأرض وبعضها من الهواء . والنبات جسم حي ، فهو بصفة الحياة يأخذ من عناصر الأرض والهواء ما يصلح لغذائه فيتغذّى به كما يتغذّى الحيوان بما يأكله ويشربه وينمو بذلك كما ينمو الحيوان . التلميذ : إنّنا لا نرى في الأرض ولا في الهواء شيئاً من مادّة النبات ولا من صفاته كاللون والطعم والرائحة . الشاب : إنّه يأخذ منها العناصر البسيطة فيأخذ من الهواء الأوكسجين والنيتروجين ( الأزوت ) وكذلك الكربون وبعض الأملاح التي توجد في الهواء عادةً وإن لم تكن جزءاً منه . ويأخذ من الأرض ما يناسبه من عناصرها الكثيرة كالبوتاسا والفسفور والحديد والجير والأملاح ويكون ممّا يأخذه من ذلك غذاءه بعمل كيماوي منتظم ، يعجز عن مثله أعلم علماء الكمياء . وقد علمت أنّ جميع هذه الصور المختلفة الأشكال والصفات إنّما اختلف بعضها عن بعض باختلاف التركيب الكيماوي وعمل الطبيعة حتّى إنّ مادّة السكر هي عين المادّة التي يتكوّن منها الحنظل ، والماس والفحم الحجري من عنصر واحد . الشيخ : إنّ النبات لا حياة فيه ولو كان يعمل عمله الذي ذكرت في معنى النمو وكيفيته بما تقتضيه صفة الحياة التي أثبتها له ، لكان عالماً بعمله ومختاراً فيه ولم يرد بهذا نقل ، ولا أثبته عقل ، فنمو النبات إنّما يكون بمحض قدرة الله تعالى . الشاب : لا دليل على أنّ للنبات علماً ولا على أنّه لا علم له . فهو في عمله كأعضاء الإنسان وغيره من الحيوانات التي تعمل أعمالاً منتظمة لا شعور للإنسان بها ولا هي صادرة عن علمه وتدبيره ، كأعمال المعدة والكبد في هضم الطعام فليس عندنا دليل على أنّ للمعدة علماً خاصاً ولا على أنّه لا علم لها ، ولكنّنا نعلم أنّها عضو حي بحياة صاحبه فإذا أُبين منه ثمّ وضع فيه الطعام فإنّه لا يعمل ذلك العمل ، وكون كلّ شيء بقدرة الله لا يمنع أن يكون لكلّ شيء سبب . فالله تعالى حكيم لا يعمل شيئاً إلاّ بنظام قوله تعالى : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } [ الملك : 3 ] . التلميذ : من أين تكون هذه الحياة النباتية للنبات ، والحياة الحيوانية للحيوان فهل المادّة التي يتغذّى بها النبات حيّة فيأخذ منها حياته ؟ الشاب : كلاّ إنّ مواد التغذية ليست حيّة بنفسها . ألا ترى أنّ الإنسان لا يأكل شيئاً من الحيوان إلاّ بعد إماتته بنحو الذبح والطبخ . ولا يأكل نباتاً إلاّ بعد إزالة حياته النباتية ولو بالقطع والمضغ فقط ؟ وكذلك النبات . ولكن في النواة التي تتولّد منها الشجرة والبيضة التي يتولّد منها الحيوان حياة كامنة مستعدّة للنمو بالتغذية على ما نشاهد في الكون . وهذه الحياة مجهولة الكنه والمبدأ حتى اليوم . وأمرها أخفى من أمر المادّة في كنهها ومبدئها . الشيخ : إذا كنتم في علمكم هذا أرجعتم جميع العناصر التي تألّفت منها مادّة الكون إلى شيء واحد عرف أثره ولم تعرف حقيقته - كما قلت في مبحث الوحدانية - فما بالكم تقفون في حياة بعض المواد كالنبات والحيوان ، وتقولون لا نعرف مبدأ حياته وحقيقتها وتقفون عند هذا الحدّ ، ولا تقولون : إنّ الذي صدرت عن ذاته جميع الذوات هو الحي القيوم الذي صدرت عن حياته كلّ حياة ؟ الشاب : لا شكّ أن الوجود الواجب القديم هو حي كما أنّه قيوّم فإذا كان معنى قيوميته أنّه قائم بنفسه وكلّ شيء قائم به . فكذلك هو حي بذاته وكلّ ما عداه من الأحياء فهو حي به ، أي أنّه يستمدّ حياته منه . لأنّ هذه الأحياء كلّها من نبات وحيوان هي حادثة والحادث هو ما كان وجوده من غيره لا من ذاته . فالحياة أمر وجودي بل هي أعلى مراتب الوجود فهل يقول عاقل : إنّ تلك الذات الأزلية قد صدرت عنها الأشياء كلها بلا حياة . ثمّ إنّ بعضها أحدث لنفسه حياة ؟ هذه سخافة لا تخطر في بال عاقل ، فالإنسان أرقى الأحياء على هذه الأرض لأنّ من أثر حياته العلم بالكليّات والإرادة والتدبير والنظام وهو عاجز عن هبة الحياة لنفسه ولغيره . فغيره من الأحياء أحقّ بالعجز . التلميذ : إذا كانت الحياة التي أثرها العلم والإرادة والتدبير والنظام هي أرقى مراتب الحياة وهي حياة الإنسان ، ألا يلزم من ذلك مشابهة حياة الإنسان لحياة الله تعالى ، لأنّ هذه الخصائص هي لحياة الله تعالى أيضاً ؟ الشيخ : اعلم يا بني أنّ ذات الله تعالى لا تشبه الذوات ، وصفاته لا تشبه الصفات ، فإذا طرأت عليك الشبهة في أثر الحياة فقط لأنّ حقيقتها مجهولة فتأمّل الفرق بين الحياتين - إنّ حياة الله تعالى ذاتية وحياة الإنسان من الله تعالى ، إنّ حياة الله تعالى أزلية وحياة الإنسان حادثة ، إنّ حياة الله تعالى لا تفارقه وحياة الإنسان تفارقه حين يموت . إنّ حياة الله تعالى هي التي تفيض الحياة على كلّ حي وحياة الإنسان خاصّة به . وكذلك العلم والتدبير والإرادة والنظام كلّ ذلك ناقص في الإنسان والله تعالى منزّه عن النقص وإليه ينتهي الكمال المطلق في ذاته وصفاته . اهـ . المراد نقله من تلك العقيدة . وهذا الذي قلناه في بيان معنى { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } يجلي لمن وعاه ما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ هذا اسم الله الأعظم أو قال : " أعظم أسماء الله الحي القيّوم " وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } وفاتحة آل عمران : { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } " فالآية الأولى تثبت له تعالى وحدانية الألوهية مع الرحمة الشاملة والثانية تثبت له مع الوحدانية الحياة التي تشعر بكمال الوجود وكمال الإيجاد بإفاضة الحياة على الأحياء والقيومية وهي كونه قائماً بنفسه ، أي ثابتاً بذاته وكون غيره قائماً به أي ثابتاً وموجوداً بإيجاده إيّاه وحفظه لوجوده بإمداده بما يحفظ به الوجود من الأسباب ومن معاني هذه القيومية القيام بالقسط ، كما قال تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] والقسط هنا هو العدل العامّ في سننه الكونية وشرائعه ومنها القيام على كلّ نفس بما كسبت كما قال : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] وقد قصّر المفسّرون في بيان معنى { ٱلْحَيُّ } وقاربوا في معنى { ٱلْقَيُّومُ } قال مجاهد هو القائم على كلّ شيء . وقال الربيع هو قيّم كلّ شيء يكلؤه ويرزقه ويحفظه . وقال قتادة القائم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم . وقال ابن الأعرابي : من رواة اللغة - معناه المدبّر . وقال الزجاج نحو قول قتادة . قال في شرح القاموس بعد نقل قول قتادة . وقال غيره هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره وهو مع ذلك يقوم به كلّ موجود حتّى لا يتصوّر وجود شيء ولا دوام وجوده إلاّ به . قلت : ولذا قالوا فيه إنّه اسم الله الأعظم . اهـ . والمادّة تعطي هذه المعاني كلّها . والغزالي يبدئ هذا المعنى في الأحياء ويعيده لا سيّما في كتاب الشكر وكتاب التوكّل وممّا قاله في الأول ، وقد قسّم الناس إلى أقسام في شهودهم نعم الله وشكره قال : " النظر الثاني نظر من لم يبلغ إلى مقام الفناء عن نفسه وهؤلاء قسمان قسم لم يثبتوا إلاّ وجود أنفسهم وأنكروا أن يكون لهم ربّ يعبد وهؤلاء هم العميان المنكوسون وعماهم في كلتا العينين لأنّهم نفوا ما هو الثابت تحقيقاً وهو القيّوم الذي هو قائم بنفسه وقائم على كلّ نفس بما كسبت وكلّ قائم فهو قائم به ، ولم يقتصروا على هذا حتّى أثبتوا أنفسهم ولو عرفوا لعلموا أنّهم من حيث هم هم لا ثبات لهم ولا وجود لهم . وإنّما وجودهم من حيث أوجدوا لا من حيث وجدوا وفرق بين الموجود وبين الموجد . وليس في الوجود إلاّ موجود واحد وموجد فالموجود حقّ والموجد باطل من حيث هو هو ، والموجود قائم وقيّوم والموجد هالك فانٍ . وإذا كان كلّ من عليها فان فلا يبقى إلاّ وجه ربّك ذي الجلال والإكرام " . اهـ . { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } السنة : النعاس . وهو فتور يتقدّم النوم قال ابن الرقاع : @ وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم @@ والنوم معروف لكلّ أحد وإن اختلف تعريفه من جهة بيان سببه قال البيضاوي " والنوم حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأساً " وهو قول الأطباء المتقدّمين . وللمتأخرين أقوال أخرى مختلفة سنشير إلى بعضها . قيل : كان الظاهر أن ينفي النوم أولاً والسنة بعده على طريق الترقي . وأجيب بأنّ ما في النظم جاء على حسب الترتيب الطبيعي في الوجود فنفى ما يعرض أولاً ثمّ ما يتبعه وقد قال : لا تأخذه : دون لا تعرض له أو لا تطرأ عليه مراعاة للواقع في الوجود فإنّ السنة والنوم يأخذان الحيوان عن نفسه أخذاً ويستوليان عليه استيلاءً . وقال الأستاذ الإمام : إنّ ما ذكر في النظم الكريم ترق في نفي هذا النقص ومن قال بعدم الترقي فقد غفل عن معنى الأخذ وهو الغلب والاستيلاء ومن لا تغلبه السنة قد يغلبه النوم ، لأنه أقوى فذكر النوم بعد السنة ترق من نفي الأضعف إلى نفي الأقوى : والجملة تأكيد لما قبلها مقرّرة لمعنى الحياة والقيومية على أكمل وجه فإنّ من تأخذه السنة والنوم يكون ضعيف الحياة وضعيف القيام بنفسه أو على غيره . أقول : ويظهر هذا على رأي المتأخرين في سبب النوم أكمل الظهور وإن كان بديهياً في نفسه ، فإنّهم يقولون إنّ النوم عبارة عن بطلان عمل المخ بسبب ما تولّده الحركة من السموم الغازية المؤثّرة في العصب وقيل بسبب ما تفرزه الحويصلات العصبية من الماء الكثير بالفعل الكيماوي وقت العمل فكثرة هذا الماء تضعف قابلية التأثّر فيها . فتحدث فيها الفتور فيكون النوم ويستمر إلى أن يتبخّر ذلك الماء وعند ذلك تتنبّه الأعصاب ويرجع إليها تأثّرها وإدراكها ، فسبب النوم أمر جسماني محض والله تعالى منزّه عن صفات الأجسام وعوارضها . { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فهم ملكه وعبيده مقهورون لسنته خاضعون لمشيئته وهو وحده المصرف لشؤونهم والحافظ لوجودهم { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ } منهم فيحمله على ترك مقتضى ما مضت به سنته ، وقضت به حكمته ، وأوعدت به شريعته ، من تعذيب من دسى نفسه بالعقائد الباطلة ، ودنّسها بالأخلاق السافلة . وأفسد في الأرض ، وأعرض عن السنّة والفرض ، من ذا الذي يقدم على هذا من عبيده { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } والأمر كلّه له صورة وحقيقة . وليس هذا الاستثناء نصّاً في أنّ الإذن سيقع ، وإنّما هو كقوله : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ هود : 105 ] فهو تمثيل لإنفراده بالسلطان والملك في ذلك اليوم { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] ولهذا قال البيضاوي في تفسير الجملة : " بيان لكبرياء شأنه وأنّه لا أحد يساويه أو يدانيه ويستقلّ بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلاً عن أن يعاوقه عناداً أو مناصبة " . وقال الأستاذ الإمام ما محصّله : إنّ في هذا الاستثناء قطعاً لأمل الشافعين والمتكلّين على الشفاعة المعروفة التي كان يقول بها المشركون وأهل الكتاب عامّة ببيان انفراده تعالى بالسلطان والملك وعدم جرأة أحد من عبيده على الشفاعة أو التكلّم بدون إذنه ، وإذنه غير معروف لأحد من خلقه ، ثمّ قال تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي ما قبلهم وما بعدهم أو بالعكس أو أمور الدنيا التي خلّفوها وأمور الآخرة التي يستقبلونها أو ما يدركون وما يجهلون . وهذا دليل على نفي الشفاعة بالمعنى المعروف . وبيان ذلك أنّه لمّا كان عالماً بكلّ شيء فعله العباد في الماضي وما هو حاضر بين أيديهم وما يستقبلهم وكان ما يجازيهم به مبنيّاً على هذا العلم كانت الشفاعة المعهودة ممّا يستحيل عليه تعالى . لأنّها لا تتحقّق إلاّ بإعلام الشفيع المشفوع عنده من أمر المشفوع له ، وما يستحقّه ما لم يكن يعلم . مثال ذلك : إذا أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينفي رجلاً من المدينة ولا يمكن أن يريد ذلك وهو عادل - إلاّ إذا كان يعتقد المصلحة فيه بأن يكون الرجل مفسداً ضارّاً بالناس . فإذا شفع له شافع ولم يبيّن لعمر ما لم يكن يعلم من أنّ المصلحة في بقائه دون نفيه . فإنّه لا يقبل شفاعته . هذا إذا كانت الشفاعة عند سلطان عادل كعمر . وأمّا إذا كانت عند سلطان جائر فيجوز أن تقبل ويترك نفي المفسد الضارّ بالناس لأجل مرضاة الشفيع ، كأن يكون من أعوان السلطان وبطانته الذين يؤثر مرضاتهم على المصلحة العامّة لأنهم يؤثرون هواه على المصلحة الحقيقية . وفي هذه الحال يظنّ الغافل أنّ الشفاعة ليس فيها إعلام المشفوع عنده بما لم يكن يعلم ولو رجع نظر البصيرة لرأى أن الشفيع قد أعلم السلطان أنّ هذا الرجل الجاني ممّن يلوذ به ويهمّه شأنه ويرضيه بقاؤه ولم يكن يعلم ذلك . فالشفاعة المعروفة التي يغترّ بها الكافرون والفاسقون ويظنون أنّ الله تعالى يرجع عن تعذيب من استحقّ العذاب منهم لأجل أشخاص ينتظرون شفاعتهم هي ممّا يستحيل على الله تعالى لأنّها - وهي من شأن أهل الظلم والبغي - تستلزم الجهل وهو ذو العلم المحيط { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } ومن علم شيئاً منك فلا سبيل له إلى التصدّي لإعلامك به . فماذا عسى أن يقول من يريد الشفاعة عنده بالمعنى الذي يعهده الناس ويغترّ به الحمقى الذين يرجون النجاة بها في الآخرة بدون مرضاة الله تعالى في الدنيا . قال الأستاذ الإمام : معناه أنّ الشفاعة تتوقف على إذنه وإذنه . لا يعلم إلاّ بوحي منه تعالى يريد أنّ ذلك ترق في نفيها من دليل إلى آخر ، أي إذا أمكن أن تكون هناك شفاعة بمعنى آخر يليق بجلال الله تعالى كالدعاء المحض . فإنّه لا يجرأ عليها أحد في ذلك اليوم العصيب إلاّ بإذن الله تعالى . وإذنه تعالى مما استأثر بعلمه فلا يعلمه غيره إلاّ إذا شاء إعلامه به . ثمّ قال : وإنّما يعرف إذنه تعالى بما حدّده من الأحكام في كتابه أي فمن بيّن أنّه مستحقّ لعقابه فهو مستحقّ له لا يجرأ أحد أن يدعو له بالنجاة ومن بيّن أنّه مستحقّ لرضوانه على هفوات ألمّ بها لم تحوّل وجهه عن الله تعالى إلى الباطل والفساد الذي يطبع على الروح فتسترسل في الخطايا حتى تحيط بها وتملك عليها أمرها فذلك مستحقّ له منته إليه بوعد الله في كتابه وفضله على عباده كما سبق في علمه الأزلي . ثمّ قال الأستاذ الإمام : قالوا إنّ للاستثناء في قوله تعالى : { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } واقعاً وهو أنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم يشفع في فصل القضاء فيفتح باب الشفاعة فيدخل فيه غيره من الشفعاء كالأنبياء والأصفياء كما ثبت في الأحاديث . وهي مسألة أنكرها المعتزلة وأثبتها أهل السنّة . والله تعالى يأذن لمن يشاء ، ويطلع على علمه باستحقاق الشفاعة من يشاء ، كما علم من الاستثناء . ونقول أجمع كل من أهل السنّة والمعتزلة وسائر فرق المسلمين على كمال علم الله تعالى وإحاطته وذلك يستلزم استحالة الشفاعة عنده بالمعنى المعهود ، كما سبق القول وقلنا هناك : إنّ مثل هذا الاستثناء ورد في القرآن لتأكيد النفي . وبذلك نجمع بين الآيات التي تنفي الشفاعة بدون الاستثناء وبين هذه وقلنا إنّ ما ورد في الحديث يأتي فيه الخلاف بين السلف والخلف في المتشابهات ، فنفوّض معنى ذلك إليه تعالى أو تحمله على الدعاء الذي يفعل الله تعالى عقبه ما سبق في علمه الأزلي أن سيفعله مع القطع بأنّ الشافع لم يغيّر شيئاً من علمه ولم يحدث تأثيراً ما في إرادته تعالى . وبذلك تظهر كرامة الله لعبده بما أوقع الفعل عقب دعائه . أقول وبهذا فسّر الشفاعة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( وراجع تفسير آية 48 واتقوا يوماً الخ ) . { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } قال الأستاذ الإمام السياق يدلّ على أنّ الكرسي هو العلم الإلهي . وبذلك قال بعض المفسّرين وأهل اللغة - ويقال كرس الرجل كفرح ، أي كثر علمه وازدحم على قلبه - أي إنّ علمه تعالى محيط بما يعلمون ممّا عبر عنه بقوله : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } وبما لا يعلمون من شؤون سائر الكائنات فبماذا يمكن أن يعلمه الشفعاء . وقيل هو العرش واختاره مفسّرنا ( الجلال ) وهو إنّما يثبت بخبر المعصوم . وقيل إنّه تمثيل لملك الله تعالى واختاره القفال والزمخشري والآية تدلّ على أنّه شيء يضبط السماوات والأرض ولا يتوقف التسليم بها على تعيّنه والقول بأنّه علم أو ملك أو جسم كثيف أو لطيف ، أي فإن كان هو العلم إلهي فالأمر ظاهر وإن كان خلقاً آخر فهو من عالم الغيب الذي نؤمن به ولا نبحث عن حقيقته ولا نتكلّم فيه بالرأي كما قال كثيرون إنّه هو الفلك الثامن المكوكب من الأفلاك التسعة التي كان يقول بها فلاسفة اليونان ، ومقلّدوهم فذلك من القول على الله بدون علم وهو من أمّهات الكبائر . { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } أي لا يثقله حفظ هذه العوالم بما فيها ولا يشقّ عليه { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } فيتعالى بذاته أن يكون شأنه كشأن البشر في حفظ أموالهم ويتنزّه بعظمته عن الإحتياج إلى من يعلمه بحقيقة أحوالهم ، أو يستنزله إلى ما لم يكن يريد من مجازاتهم على أعمالهم . وأقول : إنّ جملة الآية تملأ القلب بعظمة الله وجلاله وكماله ، حتّى لا يبقى فيه موضع للغرور بالشفعاء الذين يعظمهم المغرورون تعظيماً خيالياً غير معقول حتّى ينسون أنهم بالنسبة إلى الله تعالى عبيد مربوبون ، أو عباد مكرمون { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 27 - 28 ] فمن تدبر هذه الآيات وأمثالها ممّا ورد في علم الله وعظمته وانفراده بالسلطة لا سيّما في ذلك اليوم وهو يوم الدين ، فإنّ عظمته تعالى لا تدع في نفسه غروراً بل يوقن بأن لا سبيل إلى السعادة في الآخرة إلاّ بمرضاة الله تعالى في الدنيا فمن لم يكن مرضياً لله تعالى لا يتجرأ أحد على الشفاعة له كما تلوت في الآية الكريمة آنفاً . واتل أيضا قوله تعالى عن ذلك اليوم : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً * يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً * وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً * وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } [ طه : 108 - 113 ] وإنّك لتجد المسلمين يترنّمون بهذه الآيات وقلّما تحدث لأحد منهم ذكراً يصرفه عن حمل الظلم لنفسه ولغيره والإعتماد في النجاة على وعد الله لمن يعمل الصالحات وهو مؤمن بل ترى الجماهير يعرضون عن هذا الذكر ويرجون النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة بالشفاعات فقط : @ ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إنّ السفينة لا تجري على اليبس @@ قال الأستاذ الإمام : ما مثاله مبسوطاً : جملة الآية وما في معناها إنذار للمسلمين أن يكونوا كأهل الكتاب الذين يتكلون في نجاتهم على شفاعة سلفهم فأوقعهم ذلك في ترك المبالاة بالدين ولكن المسلمين اتّبعوا بعد ذلك سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع وسبقوهم في الإتّكال على الشفاعة وما يترتب عليه من التهاون بالدين كما نرى - هذه القلوب التي خويت من ذكر الله وخلت من خشيته للجهل بما يجب من معرفته وهي على خطر الهلاك الأبدي - وهذه النفوس المنغمسة في أقذار الشهوات ، المسترسلة في فعل المنكرات ، وهي تشعر بأنّها على شفير جهنّم تريد أن تتلهى بما يصمّها عن سماع نذير الشريعة للفطرة التي أفسدتها الجهالات والأهواء لكيلا تتألّم بما ينغص عليها لذّاتها ، أو يحتم عليها طاعة ربّها ، فلا ترى ألهية تضيفها إلى الدين ، ويرتضيه لها رؤساؤه الرسميون إلاّ كلمة الشفاعة التي تزعم أنّها تعظم بها النبيين والصدّيقين ، وإن جعلتها بمعنى وثني يخلّ بعظمة ربّ العالمين ، وكلّ من اغترّ بذلك فشيطانه هو الذي يوسوس له ويمدّه في الغي ، وإنّها لنفوس ما عرفت عظمة الله ولا شعرت بالحياء منه في حياتها ولا ظهر في أعمالها أثر محبّته ، ولا احترام دينه وشريعته . وما أثر الإيمان به والحبّ له والرجاء بفضله إلاّ أخذ دينه بقوّة وجد . وآيته بذل المال والروح في إعلاء كلمته ، وتأييد شريعته ، لا الإمتنان عليه وعلى رسوله بقبول لقب الإسلام ، وتعظيمه بالقول والخيال ، دون القلوب والأعمال ، والقرآن شاهد عدل { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } [ الطارق : 13 - 14 ] .