Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 62-62)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أحاط القضاء في الآية السابقة باليهود فلم يدع منهم حاضراً ولا غائباً فألزم الذلّ باطنهم ، وكسا بالمسكنة ظاهرهم ، وبوّأهم منازل غضبه ، وجعل أرواحهم مساقط نقمه ، فذلك الله الذي يقول : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 61 ] سجلت الآية عليهم هذا العذاب الشديد بما كسبت أيديهم واستشعرت قلوبهم من كفر بآيات الله ، وانصراف عن العبرة ، وإستعصاء على الموعظة ، وخروج عن حدود الشريعة وإعتداء على أحكامها . اقترف ذلك سلفهم ، وتبعهم عليه خلفهم ، فحقّت عليهم كلمة ربّك . فلو قرَّ الخطاب عندها ، ولم يتلها من رحمته ما بعدها ، لحقّ على كل يهودي على وجه الأرض أن ييأس ، وأن لا يبقى عنده للأمل في عفو الله متنفّس ، بل كان ذلك القنوط لازماً لكل عاص ، قابضاً على نفس كل معتد ، لا فرق بين اليهود وغيرهم ، فإن سبب ما نزل باليهود إنما هو عصيانهم واعتداؤهم حدود ما شرع الله لهم ، وسنن الله في خلقه لا تتغير وأحكامه العادلة فيهم لا تتبدل ، لهذا جاء قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، إلخ . بمنزلة الإستثناء من حكم الآية السابقة . وإنما ورد على هذا الأسلوب البديع متضمناً لجميع من تمسك بهدي نبي سابق ، وانتسب إلى شريعة سماوية ماضية ، ليدلّ على أن الجزاء السابق - وإن حكي على أنه من خطأ اليهود خاصة - لم يصبهم إلاّ لجريمة قد تشمل الشعوب عامة ، وهي الفسوق عن أوامر الله وإنتهاك حرماته ، فكل من أجرم كما أجرموا ، سقط عليه من غضب الله ما سقط عليهم ، وعلى أن الله جل شأنه لم يأخذهم بما أخذهم لأمر يختصّ بهم على أنهم من شعب إسرائيل أو من ملّة يهود ، بل { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [ البقرة : 61 ] . وأما أنساب الشعوب وما تدين به من دين وما تتخذه من ملة ، فكل ذلك لا أثر له في رضاء الله ولا غضبه ، ولا يتعلق به رفعة شأن قوم ولا ضعتهم ، بل عماد الفلاح ووسيلة الفوز بخيري الدنيا والآخرة ، إنما هو صدق الإيمان بالله تعالى ، بأن يكون التصديق به سطوعاً على النفس من مشرق البرهان ، أو جيشاناً في القلب من عين الوجدان ؛ فيكون الإعتقاد بوجوده وصفاته خالياً من شوب التشبيه والتمثيل ، واليقين في نسبة الأفعال إليه خالصاً من وساوس الوهم والتخييل ، ويكون المؤمن قد ارتقى بإيمانه مرتقى يشعر فيه بالجلال الإلهي ، فإذا رفع بصره إلى الجناب الأرفع ، أغضى هيبة وأطرق إلى أرض العبودية خشوعاً ، وإذا أطلق نظره فيما بين يديه ، مما سلّطه الله عليه ، شعر في نفسه عزة بالله ، ووجد فيها قوة تصرفه بالحق فيما يقع تحت قواه . لا يعدوا حداً ضرب له ، ولا يقف دون غاية قدّر له أن يصل إليها ، فيكون عبد الله وحده . سيّد لكل شيء بعده . كتب ما تقدّم الأستاذ بقلمه إذ اقترحت أن يكتب تفسير الآية كما قرّره في درسه ، وإنني أتمّه على المنهج الذي جريت عليه فأقول : هذا هو الإيمان المرضي عند الله تعالى ، الذي يكون أصلاً لتهذيب أخلاق صاحبه ، ومصدراً للأعمال الحسنة عنه . وللإيمان إطلاق آخر ، وهو التصديق بالدين في الجملة ، أي الإيمان بالله وبأن ما جاء به فلان النبي - مثلا - هو صحيح غير مكذوب على الله تعالى ، ويدخل فيه أهل الفرق الضالّة من كل دين من الأديان السماوية ، فهو إطلاق صحيح لغة وعرفاً ، كما تقدم في تفسير قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] أي إنهم يصدّقون بأن للعالم إلهاً ، وبأن بعد الموت بعثاً ، ولكن هذا الإيمان ليس مطابقاً في تفصيله للإذعان الذي له السلطان الأعلى على النفوس في تزكيتها وتهذيبها وحملها على الأعمال الصالحة ، وهذا الإطلاق هو الذي عناه الأستاذ الإمام بقوله : لا أثر له في رضا الله ولا غضبه ، إلخ . وهو كون الدين جنسية لمن ينتسب إليه ، فقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مراد به المسلمون الذين اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم والذين سيتبعونه إلى يوم القيامة ، وكانوا يسمّون المؤمنين والذين آمنوا . وقوله : { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ } يراد به هذه الفرق من الناس التي عرفت بهذه الأسماء أو الألقاب من الذين اتبعوا الأنبياء السابقين ، وأطلق على بعضهم لفظ يهود والذين هادوا ، وعلى بعضهم لفظ النصارى ، وعلى بعضهم لفظ الصابئين . { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً } هذا بدل ممّا قبله ، أي من آمن منهم بالله إيماناً صحيحاً - وتقدم شرحه ووصفه آنفاً - وآمن باليوم الآخر كذلك - وقد تقدم تفسيرهما في أوائل السورة ، وعمل عملا صالحاً تصلح به نفسه وشؤونه مع من يعيش معه ، وما العمل الصالح بمجهول في عرف هؤلاء الأقوام ، وقد بيّنته كتبهم أتمّ بيان . { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي إن حكم الله العادل سواء ، وهو يعاملهم بسنة واحدة لا يحابي فيها فريقاً ويظلم فريقاً . وحكم هذه السنّة : إنّ لهم أجرهم المعلوم بوعد الله على لسان رسولهم ، ولا خوف عليهم من عذاب الله يوم يخاف الكفار والفجار مما يستقبلهم ، ولا هم يحزنون على شيء فاتهم . وتقدّم هذا التعبير في الآية ( 38 ) مع تفسيره . فالآية بيان لسنّة الله تعالى في معاملة الأمم - تقدمت أو تأخرت - فهو على حد قوله تعالى : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 123 - 124 ] فظهر بذلك أنه لا إشكال في حمل من آمن بالله واليوم الآخر إلخ ، على قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إلخ . ولا إشكال في عدم إشتراط الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنّ الكلام في معاملة الله تعالى لكل الفرق أو الأمم المؤمنة بنبي ووحي بخصوصها ، الظانّة أن فوزها في الآخرة كائن لا محالة ؛ لأنها مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو صابئة مثلا ، فالله يقول : إن الفوز لا يكون بالجنسيات الدينية ، وإنما يكون بإيمان صحيح له سلطان على النفس ، وعمل يصلح به حال الناس ؛ ولذلك نفي كون الأمر عند الله بحسب أماني المسلمين أو أماني أهل الكتاب ، وأثبت كونه بالعمل الصالح مع الإيمان الصحيح . أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : التَقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقال اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً . وقالت النصارى مثل ذلك . فقال المسلمون كتابنا بعد كتابكم ونبيّنا صلى الله عليه وسلم بعد نبيكم ، وديننا بعد دينكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ولن يدخل الجنة إلاّ من كان على ديننا . فأنزل الله تعالى : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } [ النساء : 123 ] الآية . وروي نحوه عن مسروق وقتادة . وأخرج البخاري في التاريخ من حديث أنس مرفوعاً " ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقرَّ في القلب وصدّقه العمل . إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة ، حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ، وقالوا نحن نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل " والحكمة في عناية الله تعالى بالنعي على المغترّين بالإنتساب إلى الدين أيّاً كان ظاهرة ، فإن هذا الغرور هو الذي صرفهم عن العمل به اكتفاء بالإنتساب إليه وجعله جنسية فقط . وترك العمل لازم أو ملزوم لعدم الفقه في الدين ، أي عدم فهم حكمه وأسراره . وتبع هذا في الأمم السابقة ترك النظر فيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن المغرور بما هو فيه لا ينظر فيما سواه نظراً صحيحاً ، لا سيما إذا كان مخالفاً له . وذكر الأستاذ الإمام في تفسير هذه الآية مسألة أهل الفترة والخلاف المشهور فيها ، وهو أن جمهور أهل السنة يقول : إنهم ناجون ؛ لأنّه لا تكليف إلاّ بشرع ، وهؤلاء لم تبلغهم دعوة . ومن قال : إن بالعقل يدرك الواجب والمحرم ، والإعتقاد الصحيح والباطل : عدّهم غير ناجين ، وهذا رأي المعتزلة وجماعة من الحنفية . وجمهور الأشاعرة : على أنه لا يمكن إدراك ذلك إلاّ بالشرع . ثم إن محل النظر في أهل الفترة من كان منهم كالعرب الذين كانوا يعتقدون نبوة أنبياء ولا يجدون لديهم شيئاً من أحكام دينهم خالصاً من الشوائب سالماً من النزغات الفاسدة . وأما مثل اليهود ، فلا يصح أن يسمّوا أهل فترة فإنهم على نسيانهم حظّاً مما ذكروا به ، وتحريفهم بعض ما حفظوا ، قد بقي جوهر دينهم معروفاً لم يغشّ أحكامه ، ما يمنع الإهتداء بها ، والله تعالى يقول : { وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } [ المائدة : 43 ] . وكذلك المسيحيون لا يسمّون أهل فترة ؛ لأنّ عندهم في التوراة ووصايا الأنبياء ما عند اليهود وزيادة ، مما حفظوا من وصايا المسيح وروح الدعوة موجود عندهم ، ولكنهم لا يعملون بهذه الوصايا ولا يأخذون بتلك الأحكام ، ولا عذر لهم يحول دون العقوبة . وأما الصابئون فإن كانوا فرقة من النصارى ، كما يظهر من الوفاق بينهما في كثير من التقاليد ، كالمعمودية والإعتراف وتعظيم يوم الأحد ، فالأمر ظاهر أن حكمهم كحكمهم وإن كان الخلط عندهم أكثر ، والبعد عن الأصل أشدّ ، حتى إنهم اعتقدوا تأثير الكواكب ، وأحاطت بهم البدع من كل جانب ، على أنهم أقرب إلى روح المسيحية من النصارى فإن عندهم الزهد والتواضع ، اللذين يفيضان من كل كلمة تؤثر عن المسيح عليه السلام ، والنصارى صاروا أشدّ أمم الأرض عتّواً وطمعاً وإسرافاً في حظوظ الدنيا . ويقال : إن الصابئة ملّة مستقلة يؤمنون بكثير من الأنبياء المعروفين ، ولكن قد اختلط عليهم الأمر كما اختلط على الحنفاء من العرب ، إلاّ أن عندهم من التقاليد والأحكام ما لم يكن عند العرب ، فإن كانوا أقرب إليهم فلهم حكمهم ، وإلاّ فهم كاليهود والنصارى يسئلون عن العمل بدينهم بعد فهمه كما يجب حتى يأتيهم هدى آخر ، كأن تبلغهم دعوة الإسلام فإن لم يفعلوا فهم مؤاخذون . علمنا أن أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم دعوة صحيحة تحرك إلى النظر أو بلغهم أن بعض الأنبياء بعثوا ، ولكن لم يصل إليهم شيء صحيح من شرائعهم ، فهم يؤمنون بهم إيماناً إجمالياً ، كالحنفاء من العرب الذين كانوا يؤمنون بإبراهيم وإسماعيل ، ولا يعرفون من دينهما شيئاً خالصاً كما تقدم آنفاً . وحجة الأشاعرة على عدم مؤآخذتهم آيات كقوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] وقوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] وذهب كثير منهم إلى الإكتفاء ببلوغ دعوة أي نبي في ركني الدين الركينين ، وهما : الإيمان بالله وباليوم الآخر ، فمن بلغته وجب عليه الإيمان بهذين الأصلين ، وإن لم يكن النبي مرسلاً إليه . وذهب جمهور الحنفية وكذلك المعتزلة ، إلى أن أصول الإعتقاد تدرك بالعقل فلا تتوقف المؤاخذة عليها على بلوغ دعوة رسول ، وإنما يجيء الرسل مؤكّدين لما يفهم العقل ، موضّحين له ومبيّنين أموراً لا يستقلّ بإدراكها ، كأحوال الآخرة وكيفيات العبادة التي ترضي الله تعالى . وأوّلوا آية : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] بأن المراد بالتعذيب ، هو الإستئصال في الدنيا بإفناء الأمة أو إستذلالها ، والذهاب باستقلالها . وينافيه ما يدلّ عليه إستعمال " وما كنّا " من إرادة نفي الشأن الدالّ على عموم السلب ، ولهم في كتبهم أدلّة ومناقشات ليس هذا من مواضعها . وعن الإمام الغزالي . أن الناس في شأن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أصناف ثلاثة : من لم يعلم بها بالمرّة - أي كأهل أمريكا لذلك العهد وهؤلاء ناجون حتماً ( أي إن لم تكن بلغتهم دعوة أخرى صحيحة ) . ومن بلغته الدعوة على وجهها ولم ينظر في أدلّتها إهمالا أو عناداً أو استكباراً ، وهؤلاء مؤاخذون حتماً . ومن بلغته على غير وجهها أو مع فقد شرطها ، وهو أن تكون على وجه يحرِّك داعية النظر ، وهؤلاء في معنى الصنف الأوّل . هذا معنى عبارته المطابقة لأصول الكلام . وأقول : عبارته في كتاب فيصل التفرقة في هذا الصنف هي : وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمّد صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نعته وصفته ، بل سمعوا منذ الصبا أن كذّاباً مدلّساً اسمه محمّد ادّعى النبوة ، كما سمع صبياننا أنّ كذاباً يقال له المقفّع ( لعنه الله ) تحدّى بالنبوّة كاذباً ، فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول ، فإن أولئك مع أنهم لم يسمعوا اسمه ، لم يسمعوا ضدّ أوصافه ، وهؤلاء سمعوا ضدّ أوصافه ، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب . اهـ . وأقول في حلّ معنى الآية على هذا : إن أهل الأديان الإلهية - وهم الذين بلغتهم دعوة نبيّ على وجهها وبشرطها - إذا آمنوا بالله واليوم الآخر على الوجه الصحيح الذي بيّنه نبيّهم ، وعملوا الأعمال الصالحة ، فهم ناجون مأجورون عند الله تعالى ، وإذا آمنوا على غير الوجه الصحيح كالمشبّهة والحلوليّة والإتحادية وغيرهم ، فلا ينالهم من هذا الوعد شيء ، بل يتناولهم الوعيد المذكور في الآيات الأخرى . وكذلك حال الذين يؤمنون بأقوالهم دون أعمالهم ، فإن الإيمان الصحيح هو صاحب السلطان الأعلى على القلب والإرادة التي تحرك الأعضاء في الأعمال ، فإن نازعه في سلطانه طائف من الشهوة ، فإنه لا يلبث أن يقهره { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 ] ثم أزيد الآن على ما تقدم : إنّ كل هذه الأقوال والتفصيلات ، إنما هي في المؤاخذة على اتباع دعوة الرسل وعدمها . ولا يعقل أن يكون من لم تبلغهم الدعوة بشرطها ، أو مطلقاً ، ناجين على سواء وأن يكونوا كلّهم في الجنة ، كأتباع الرسل في الإيمان الصحيح والعمل الصالح ، إذ لو صحّ هذا ، لكان بعث الرسل شرّاً من عدمه بالنسبة إلى أكثر الناس . والمعقول الموافق للنصوص : إنّ الله تعالى يحاسب هؤلاء الذين لم تبلغهم دعوة ما ، بحسب ما عقلوا واعتقدوا من الحق والخير ومقابلهما ، وستجد تفصيل هذا في موضع آخر من هذا التفسير .