Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 65-66)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أباح الله تعالى لبني إسرائيل العمل في ستة أيام من الأسبوع ، وحظر عليهم العمل في يوم واحد وهو يوم السبت ، وفرض عليهم في هذا اليوم الإجتهاد في الأعمال الدينيّة إحياء للشعور الديني في قلوبهم ، وإضعافاً لشرههم في جمع الحطام وحبهم للدنيا . فتجاوز طائفة منهم حدود الله في السبت واعتدوها ، فكان جزاؤهم على ذلك جزاء من لم يُرِضْ نفسه بآداب الدين ، وجزاء مثله هو الخروج من محيط الكمال الإنساني . والرتوع في مراتع البهيمية ، كالقرد في نزواته ، والخنزير في شهواته ، وقد سجّل الله تعالى عليهم ذلك بحكم سنة الفطرة ، والنواميس التي أقام بها نظام الخليقة ، وذلك قوله عزّ وجلّ : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ } أي وأقسم أنكم لقد علمتم نبأ الذين تجاوزوا حدود حكم الكتاب في ترك العمل الدنيوي يوم السبت - وسيأتي نبؤهم مفصلا في سورة الأعراف { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال : ما مسخت صورهم ولكن مسخت قلوبهم ؛ فمثّلوا بالقردة ، كما مثلوا بالحمار في قوله تعالى : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] ومثل هذا قوله تعالى : { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } [ المائدة : 60 ] . والخسوء : هو الطرد والصغار . والأمر للتكوين ، أي فكانوا بحسب سنّة الله في طبع الإنسان وأخلاقه كالقردة المستذلّة المطرودة من حضرة الناس ، والمعنى : إنّ هذا الإعتداء الصريح لحدود هذه الفريضة ، قد جرّأهم على المعاصي والمنكرات بلا خجل ولا حياء ، حتّى صار كرام الناس يحتقرونهم ولا يرونهم أهلا لمجالستهم ومعاملتهم . وذهب جمهور المفسِّرين : إلى أن تلك القرية أيلة وقيل طبرية أو مدين وقالوا : إن ذلك كان في زمن داود عليه السلام ، والقرآن لم يعيّن المكان ولا الزمان ، والعبرة المقصودة لا تتوقف على تعيين هذه الجزئيات ، فالحجة فيما ذكر ، قائمة على بني إسرائيل ، ومبيّنة أن مجاحدتهم ومعاندتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً من أمرهم ، ثم إنها عبرة بيّنة لكل من يفسق عن أمر ربه فيتخذ إلهه هواه ويعيش عيشة بهيمية . وذهب الجمهور أيضاً إلى أن معنى { كُونُواْ قِرَدَةً } : إن صورهم مسخت فكانوا قردة حقيقيين ، والآية ليست نصاً فيه ، ولم يبق إلاّ النقل ، ولو صح لما كان في الآية عبرة ولا موعظة للعصاة ؛ لأنهم يعلمون بالمشاهدة أن الله لا يمسخ كل عاص فيخرجه عن نوع الإنسان ، إذ ليس ذلك من سننه في خلقه ، وإنما العبرة الكبرى في العلم بأن من سنن الله تعالى في الذين خلوا من قبل : أن من يفسق عن أمر ربه ، ويتنكب الصراط الذي شرعه له ، ينزل عن مرتبة الإنسان ويلتحق بعجماوات الحيوان ، وسنّة الله تعالى واحدة ، فهو يعامل القرون الحاضرة بمثل ما عامل به القرون الخالية ، ولذلك قال : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } أي جعلنا هذه العقوبة نكالا ، وهو ما يفعل بشخص من إيذاء وإهانة ليعتبر غيره ، أي عبرة ينكل من يعلم بها ، أي يمتنع من اعتداء الحدود . ومن هذه المادة ( النكل ) للقيد ، أو هو أصلها ، ومنها النكول عن اليمين في الشرع ، وهو الإمتناع . وما بين يديها يراد به : من وقعت في زمنهم كما يراد بما خلفها من بعدهم إلى ما شاء الله تعالى . وأما كونها موعظة للمتقين ، فهو أن المتقي يتعظ بها في نفسه بالتباعد عن الحدود التي يخشى اعتداؤها { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا } [ البقرة : 187 ] ويعظ بها غيره أيضاً ولا يتمّ كون تلك العقوبة نكالا للمتقدمين والمتأخرين وموعظة للمتقين ، إلاّ إذا كانت جارية على ألسنة المطردة في تربية الأمم وتهذيب الطباع ، وذلك ما هو معروف لأهل البصائر ، ومشهور عند عرفاء الأوائل والأواخر [ وحديث المسخ والتحويل وأن أولئك قد تحولوا من أناس إلى قردة وخنازير إنما قصد به التهويل والإغراب فإختيار ما قاله مجاهد هو الأوفق بالعبرة والأجدر بتحريك الفكرة ] . وأقول : إنه ليس في تفسير الآية حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ فيه على كون ما ذكر مسخاً لصورهم وأجسادهم . وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول مجاهد في أن المسخ معنوي ، وقول الآخرين إنه صوري ، ثم قال : والصحيح أنه معنويّ صوري . فما مراده بذلك ؟ .