Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-83)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الآيات السابقة كانت تذكيراً بالنعم التاريخية الملية ، وبالتقصير في الشكر وعواقبه . وذلك كالتفضيل على العالمين الذي يرفع النفس ، والإنجاء من آل فرعون ومن الغرق ، وإيتاء موسى الكتاب والآيات البيّنات ، وتسهيل المعيشة عليهم في التيه بما ساق الله إليهم من المنّ والسلوى ، ثم ما كان منهم في أثر كلّ نعمة وما أعقبه كفر النعم من النقم . ولم يذكر فيما سبق من الأحكام العمليّة ، إلاّ ما جاء على سبيل التبع لهذه الأصول . وهي هذه الآية وما بعدها التذكير بأمهات الأحكام في العبادات والمعاملات وما كان من إهمالها وترك العمل بها . هذا هو المراد أوّلاً وبالذات ، على أنّ فيما يأتي إعادة الإشارة إلى بعض ما مضى ، قضى بها ما كان عليه اليهود من سوء الفهم وغلظ القلوب وكثرة المشاغبات والمماراة ، فالخطاب معهم دائماً في باب الإطناب . قال الأستاذ الإمام : لاحظ بعض البلغاء والمفسّرين أنّ القرآن يطنب ويبديء ويعيد في خطاب اليهود خاصّة ، وذلك لما كانت شحنت به أذهانهم ممّا يسمّى علماً أو فقهاً ، فأبعدهم عن أن يصل شعاع الحق إلى ما وراء ذلك من نفوسهم . ويكتفي بالإيجاز ، بل بالإشارة الدقيقة في خطاب العرب ؛ لما كانوا عليه من سرعة الفهم ورقة الإحساس لقربهم من السذاجة الفطرية ، فالإشارة إلى البرهان في ضمن تمثيل ، يغني عندهم عن الأسهاب والتطويل ؛ ولذلك خاطبهم بمثل قوله في الأصنام { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] . قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي وأذكر أيها الرسول إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، وقد تقدّم ذكر أخذ الميثاق عليهم في سياق خطابهم ، ولم يبيّنه لعلمهم به ، وقوله هنا : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } ، إلخ : بيان له ( أي للميثاق ) لا مقول قول محذوف كما قال المفسّر . يقال : أخذت عليك عهداً تفعل كذا ، كما تقول : أن تفعل كذا ، سواء . وهو خبر بمعنى النهي للمبالغة والتأكيد ، يلاحظ فيه أن الأمر والنهي قد أمتثل فيخبر بوقوعه ، أو إنّه لتوثيقه والتشديد في تأكيده سيمتثل حتماً فيخبر بأنّه كائن لا محالة . أقول : وهذا النهي عن عبادة غير الله مستلزم للأمر بعبادته تعالى ، ولم يصرّح به ؛ ولأنّهم كانوا يعبدون الله ، وإنّما يخشى عليهم الشرك به كما وقع منهم في بعض الأجيال ومن غيرهم من الشعوب . فالأصل الأوّل لدين الله على ألسنة جميع رسله ، هو : أن يعبد الله وحده ولا يشرك به عبادة أحد سواه من ملك ولا بشر ولا ما دونهما بدعاء ولا بغيره من أنواع العبادة ، كما قال : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ النساء : 36 ] فالتوحيد لا يحصل إلاّ بالجمع بين الأمرين . قال تعالى : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وتحسنون بالوالدين إحساناً . والإحسان : نهاية البرّ ، فيدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية ، وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين في التوراة ، حتّى أنه يوجد فيها الآن أن من يسب والديه يقتل . وقد قرن الأمر بالإحسان بالوالدين إلى الأمر بالتوحيد أو النهي عن الشرك ، فهو كقوله تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] وليست هذه العناية بأمر الوالدين في الكتب السماوية لكونهما سبب وجود الولد - كما يقول الناس - فإنّه لا منّة لهما على الولد بهذه السببيّة ؛ لأنها لم تكن إكراماً له ولا عناية به ، كيف وهو لم يكن معروفاً أو موجوداً فيكرم ، وإنّما كانت بباعث الشهوة وإرضاء النفس ، ومنهم من لم يكن يخطر بباله الولد إلاّ بعد الزواج بزمن طويل ، ومنهم مَنْ كان يودّ أن لا يولد له ، أو أن يكون له ولد واحد أو ولدان فقط ، فيكون له أكثر . فإذا كان وجوب الإحسان بالوالدين معلولا لإرادتهما الولد ، فينبغي أن يخص هذا الإحسان بولد لم يكن لهما من الزوجيّة حظ سواه بعينه . وهو ما لا وجود له . ذلك كلام شعري ، والعلّة الصحيحة في وجوب هذا الإحسان على الولد ، هي : العناية الصادقة التي بذلاها في تربيته والقيام بشؤونه أيام كان ضعيفاً عاجزاً ، جاهلاً لا يملك لنفسه . نفعاً ، ولا يقدر أن يدفع عنها ضرراً ، إذ كانا يحوطانه بالعناية والرعاية ، ويكفلانه حتى يقدر على الإستقلال والقيام بشأن نفسه ، فهذا هو الإحسان الذي يكون منهما عن علم وإختيار ، بل مع الشغف الصحيح والحنان العظيم ، وما جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ، وإذا وجب على الإنسان أن يشكر لكل من يساعده على أمر عسير فضله ، ويكافئه بما يليق به على حسب الحال في المساعد وما كانت به المساعدة ، فكيف لا يجب أن يكون الشكر للوالدين بعد الشكر لله تعالى ، وهما اللذان كانا يسعدانه على كل شيء ، أيام كان يتعذر عليه كل شيء ؟ ؟ وكذلك حبّ الوالدين للولد ، ليست علّته كما يقول الناس كونه جزءاً منهما وفلذة كبدهما . هذا كلام شعري لا حقيقي أيضاً ، فإنّ جسم الإنسان مركب من الأغذية النباتيّة والحيوانيّة ، فلو كانت العلّة صحيحة لكان ينبغي أن يحب الحنطة والغنم أكثر ممّا يحب والديه . وإنّما لحب الوالدين الولد منبعان : أحدهما : حنان فطري أودعه الله تعالى فيهما لإتمام حكمته . وثانيهما : ما جرت به سنة البشر من التفاخر بالأولاد ، ومن الأمل بالإستفادة منهم في المستقبل ، وليست الفائدة محصورة في المال والعون على المعيشة ، وإنّما تتناول الشرف والجاه أيضاً . @ وكم أب قد علا بابن له شرفا كما علا برسول الله عدنان @@ ولمّا كان حبّ الوالدين للأولاد بمكانة من القوّة لا يخشى زوالها ، ترك النص على الإحسان بهم وثنّى بالإحسان بمَنْ دونهم في النسب فقال : { وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ } . الإحسان هو الذي يقوي غرائز الفطرة ويوثق الروابط الطبيعيّة بين الأقربين ، حتى تبلغ البيوت في وحدة المصلحة درجة الكمال . والأمّة تتألف من البيوت ( العائلات ) فصلاحها صلاحها . وهاهنا قال الأستاذ كلمة جليلة وهي : " ومن لم يكن له بيت لا تكون له أمّة " وذلك أن عاطفة التراحم وداعية التعاون إنّما تكونان على أشدهما وأكملهما في الفطرة بين الوالدين والأولاد ، ثم بين سائر الأقربين . فمَنْ فسدت فطرته حتى لا خير فيه لأهله ، فأيّ خير يُرجى منه للبُعداء والأبعدين ؟ ومَنْ لا خير فيه للناس لا يصلح أن يكون جزءاً من بنية أمّة ؛ لأنه لم تنفع فيه اللحمة النسبيّة التي هي أقوى لحمة طبيعيّة تصل بين الناس ، فأي لحمة بعدها تصله بغير الأهل فتجعله جزءاً منهم يسرّه ما يسرّهم ، ويؤلمه ما يؤلمهم ، ويرى منفعتهم عين منفعته ، ومضرّتهم عين مضرّته ، وهو ما يجب على كل شخص لأمته . قضى نظام الفطرة بأن تكون نعرة القرابة أقوى من كل نعرة ، وصلتها أمتن من كل صلة ، فجاء الدين يقدّم حقوق الأقربين على سائر الحقوق ، وجعل حقوقهم على حسب قربهم من الشخص . ثم ذكر حقوق أهل الحاجة من سائر الناس فقال : { وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } واليتيم : هو من مات أبوه وهو صغير ، وقد قدم الوصيّة به على الوصيّة بالمسكين ، ولم يقيدها بفقر ولا مسكنة فعلم أنها مقصودة لذاتها . قال الأستاذ الإمام : أكّد الله تعالى الوصيّة باليتيم ، وفي القرآن والسنّة كثير من هذه الوصايا ، وحسبك أن القرآن نهى عن قهر اليتيم وشدّد الوعيد على أكل ماله تشديداً خاصّاً ، ولو كان السر في ذلك غلبة المسكنة على اليتامى لأكتفى هنا بذكر المساكين . كلاّ ، إن السر في ذلك هو كون اليتيم لا يجد في الغالب مَنْ تبعثه عاطفة الرحمة الفطريّة على العناية بتربيته والقيام بحفظ حقوقه ، والعناية بأموره الدينيّة والدنيويّة ، فإنّ الأم إن وجدت تكون في الأغلب عاجزة ، ولا سيّما إذا تزوّجت بعد أبيه ، فأراد الله تعالى - وهو أرحم الراحمين - بما أكّد من الوصيّة بالأيتام أن يكونوا من الناس بمنزلة أبنائهم ، يربونهم تربية دينية دنيوية لئلاّ يفسدوا ويفسد بهم غيرهم ، فينتشر الفساد في الأمّة فتنحل إنحلالاً . فالعناية بتربية اليتامى هي الذريعة لمنع كونهم قدوة سيئة لسائر الأولاد . والتربية لا تتيسر مع وجود هذه القدوة ، فإهمال اليتامى إهمال لسائر أولاد الأمّة . وأمّا المساكين ، فلا يراد بهم هؤلاء السائلون الشحّاذون الملحفون الذين يقدرون على كسب ما يفي بحاجاتهم ، أو يجدون ما ينفقون ولو لم يكتسبوا ، إلاّ أنّهم اتخذوا السؤال حرفة يبتغون بها الثروة من حيث لا يعملون عملا ينفع الناس ، ولكنّ المسكين : من يعجز عن كسب يكفيه . وأمّا قوله عزّ وجلّ : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } فهو كلام جديد له شأن مخصوص ، ولذلك تغيّر فيه الأسلوب فلم يرد على النسق الذي قبله ، مع دخوله في الميثاق . فإنّه بيّن فيما سبق الحقوق العمليّة وعبّر عنها بالإحسان ، ويستحيل أن يحسن الإنسان بالفعل إلى جميع الناس ؛ لأنه لا يمكن أن يعامل جميع الناس ، فالذين لا بدّ له من معاملتهم هم أهل بيته وأقاربه الذين ينشأ فيهم ويتربّى بينهم ، فجاء النصّ بوجوب الإحسان في معاملتهم لتصلح بذلك حال البيوت . ثم إن اليتامى والمساكين من قومه هم الذين لا يستغنون عن إحسانه وإحسان أمثاله بالفعل ؛ لأنه لا قيم للأولين ، ولا غناء عند الآخرين ، ففرض عليه أن يجعل لهم حظاً منه . ثم بعد بيان ما به إصلاح البيوت من إعانة الأقربين وما به صلاح بعض العامة من معونة اليتامى والمساكين على إصلاح بيوتهم ، بقي بيان حقوق سائر الأمّة وهي النصيحة لهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم ، فهذا هو معنى قوله تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } وليس معناه مجرد التلطّف بالقول والمجاملة في الخطاب ؛ فالحسن هو النافع في الدين أو الدنيا ، وهو لا يخرج عمّا ذكرنا فلما كان هذا النوع من الحقوق مستقلا بذاته جاء بأسلوب آخر ، ولا شك أن في القيام بهذه الفرائض إصلاح الأمّة كلّها . جاء الأمر بالعبادة مجملا ؛ ليعلم الإنسان أنّه مكلّف بكل فرد من أفرادها بحسب الطاقة ، ولكن من العبادة ما لا يهتدي إليه الإنسان إلاّ بهداية إلهيّة ، وأكبر ذلك النوع إقامة الصلاة ؛ لإصلاح نفوس الأفراد . وإيتاء الزكاة ؛ لإصلاح شؤون الإجتماع . لذلك قال تعالى بعد ما تقدّم : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } وإنّما إقامة الصلاة بالإخلاص لله والصدق في التوجه إليه والخشوع لعظمته وجلاله والإستكانة لعزّ سلطانه ، ولا تكون بمجرّد الإتيان بصورة الصلاة ورسومها الظاهرة ، ولو كان هذا هو المراد لما وصفهم بالتولّي والإعراض عنه ، فإنّهم ما أعرضوا عن صورة الصلاة إلى ذلك اليوم الذي ذكرهم فيه بهذه الآيات وإلى هذا اليوم أيضاً . وأمّا الزكاة فقد كان بعض أحبارهم يزعم أنها تلك المحرقات والقرابين المفروضة لتكفير الخطايا ، أو شكر الله تعالى على إخراجهم من مصر وغير ذلك من النعم . وليس الأمر كذلك ، فإنّ لهم زكوات مالية ، منها مال مخصوص يؤدي لآل هارون ، وهو إلى الآن في اللاوين . ومنها مال للمساكين . ومنها ما يؤخذ من ثمرات الأرض . ومنها سبت الأرض ، وهو تركها في كل سبع سنين مرّة بلا حرث ولا زرع ، وكل ما يخرج منها في تلك السنة فهو صدقة . قال تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } أي ثم كان من أمركم بعد هذا الميثاق الذي فيه سعادتكم ، أن توليتم عن العمل به وأنتم في حالة الإعراض عنه وعدم الإكتراث له . وقد يتولّى الإنسان منصرفاً عن شيء وهو عازم على أن يعود إليه ويوفيه حقّه ، فليس كل متول عن شيء معرضاً عنه ومهملاً له على الدوام ، لذلك كان ذكر هذا القيد { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } لازماً لا بدّ منه وليس تكراراً كما يتوهم ، وإنّما هو متمم للمعنى ، ومؤكد للمبالغة في الترك المستفاد من التولّي . قال الأستاذ الإمام : ولا حاجة إلى ما زاده المفسّر من قوله : فقبلتم ذلك ، ليعطف عليه { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } فالمقام مقام وعيد وزجر وتوبيخ ، وفي كلمة ( ثم ) نفسها ما يفيد أنّ التولّي لم يكن عقب أخذ الميثاق . وقد كان سبب ذلك التولي مع الإعراض ، أن الله أمرهم أن لا يأخذوا الدين إلاّ من كتابه . فاتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله ، يحلّون برأيهم ويحرّمون . ويبيحون بإجتهادهم ويحظرون ، ويزيدون في الأحكام والشرائع ، ويضعون ما شاءوا من الإحتفالات والشعائر ، فصدق عليهم أنّهم اتخذوا من دونه شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، فإنَّ الله هو الذي يضع الدين وحده ، وإنّما العلماء أدلاء يستعان بهم على فهم كتابه وما شرّع على ألسنة رسله . وقد اتبع سنن اليهود في هذا التشريع جميع من بعدهم من أهل الملل وحكم الجميع عند الله تعالى واحد لا يختلف ، فهو لا يحابي أحداً { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] وكذلك كانوا قد قطعوا صلات القرابة ، وبخلوا بالنفقة الواجبة ، وتركوا النهي عن المنكر ، وفقدوا روح الصلاة ، ومنعوا الزكاة ، ولكنّهم الآن عادوا إلى بعض ما تركوا . ولم يعد الذين تشبّهوا بهم ، أو اتبعوا - بغير شعور - سنّتهم ، والأمر لله العليّ الكبير . وأمّا قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } فهو إستثناء لبعض من كانوا في زمن سيّدنا موسى عليه السلام أو في كل زمن ، فإنّه لا تخلو أمّة من الأمم من المخلصين الذين يحافظون على الحق بحسب معرفتهم وقدر طاقتهم . والحكمة في ذكر هذا الإستثناء عدم بخس المحسنين حقهم وبيان أن وجود قليل من الصالحين في الأمّة لا يمنع عنها العقاب الإلهي إذا فشا فيها المنكر وقلّ المعروف . لو تدبّر جُهَالنا هذه الآية لعلموا أنّهم مغرورون بالإعتماد على الأقطاب والأوتاد والأبدال في تحمّل البلاء عنهم ، ومنع العذاب أن ينزل بالأمّة ببركتهم ، فلو فرض أنّ هؤلاء الأقطاب موجودون حقيقة فإنّ وجودهم لا يغني عن الأمّة شيئاً ، وقد عصى الله جماهيرها ، ونقضوا ميثاقه الذي واثقهم به . فقد جرت سنته تعالى في خلقه بأن بقاء الأمم عزيزة ، إنّما يكون بمحافظة الجماهير فيها على الأخلاق والأعمال التي تكون بها العزّة ويحفظ بها المجد والشرف . ومن لم يعتبر بآيات الله في كتابه ، لا يعتبر بآياته وسننه في خلقه ، فقد فتن المسلمون في دينهم ودنياهم وحل بجميع بلادهم ما حل من البلاء وهم لا يعتبرون { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [ محمد : 24 ] { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ التوبة : 126 ] .