Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم عن جابر بن عبد الله قال : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ، ثم صب علي ، فقلت : إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ؟ فنزلت آية الفرائض . هكذا أورده في الدر المنثور عند ذكر هذه الآية . وهي المراد من آية الفرائض هنا للتصريح بذلك في روايات أخرى عند كثيرين ، منها ما رواه ابن سعد والنسائي وابن جرير والبيهقي في سننه " عن جابر قال : اشتكيت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليّ فقلت يا رسول : أوصي لأخواتي بالثلث ؟ قال " أحسن " قلت بالشطر ؟ قال " أحسن " ثم خرج ثم دخل علي فقال " إني لا أراك تموت في وجعك هذا ، إن الله أنزل وبيّن ما لأخواتك وهو الثلثان " فكان جابر يقول : نزلت هذه الآية فيّ { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } . وأخرج العدني والبزار في مسنديهما وأبو الشيخ في الفرائض بسند صحيح عن حذيفة قال : نزلت آية الكلالة على النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بحذيفة فلقاها إياه . فلما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها ، فقال حذيفة : لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتك كما لقاني والله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبدا . أقول ويفسر قوله " فلقيتك كما لقاني " ما رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن سيرين قال : نزلت { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } والنبي صلى الله عليه وسلم في مسير له وإلى جنبه حذيفة بن اليمان ، فبلغها النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة وبلغها حذيفة عمر بن الخطاب وهو يسير خلفه ، فلما استخلف عمر سأل عنها حذيفة ورجا أن يكون عنده تفسيرها ، فقال له حذيفة : والله إنك لعاجز إن ظننت إن إمارتك تحملني على إن أحدثك ما لم أحدثك يومئذٍ . فقال عمر : لم أرد هذا رحمك الله . وقد بيّنا في الجزء الرابع من التفسير معنى الكلالة واشتباه عمر رضي الله عنه فيها ، وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عنها بنفسه وبواسطة بنته حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن راهويه وابن مردويه : إن هذه الآية نزلت بسبب سؤاله عن الكلالة ، فلم يفهمها فكلّف حفصة إن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها عند ما تراه طيبة نفسه ، وروى مالك ومسلم وابن جرير والبيهقي عن عمر قال " ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر ما سألته عن الكلالة ، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال " تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء " وروى أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي عن البراء بن عازب " إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال " تكفيك آية الصيف " وروى عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل والبيهقي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثله وزاد " فمن لم يترك ولدا ولا والدا فورثته كلالة " وأخرجه الحاكم موصولاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة . قال الخطابي : أنزل الله في الكلالة آيتين : إحداهما في الشتاء ، وهي الآية التي في أول سورة النساء وفيها إجمال وإبهام لا يكاد يتبيّن هذا المعنى من ظاهرها ، ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف ، وهي التي في آخر سورة النساء ، وفيها من زيادة البيان ما ليس في آية الشتاء ، فأحال السائل عليها ليتبينّ المراد بالكلالة المذكورة فيها اهـ . أقول : وقد بيّنا في تفسير الآية الأولى إنها نزلت في الأخوة من الأم بعد بيان إرث الوالدين ؛ لأنهم يحلّون محلها عند فقدها فيأخذون ما كانت تأخذه . ثم عرضت الحاجة إلى بيان حكم إخوة العصب عند مرض جابر ، فنزلت هذه الآية . وما ورد أنها نزلت في السفر ، غلط سببه أن حذيفة لما تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم ظنّ إنها نزلت في ذلك الوقت ؛ لأنه لم يكن سمعها من قبل ، وبهذا يجمع بين الروايتين . وكثيرا ما كان يظن الصحابي عند سماعه الآية لأول مرة ، أو عند حدوث حادثة ، إنها نزلت في ذلك الوقت ، أو عند حدوث تلك الحادثة ، وتكون قد نزلت قبل ذلك . ومن علم هذا سهل عليه الجمع بين كثير من الروايات المتعارضة في أسباب النزول وهي كثيرة جداً . ومن الغلط على الغلط قول بعضهم إن السفر الذي نزلت فيه هو سفر حجة الوداع ، وإنما كانت حجة الوداع في الشتاء ، وقد صرّح في الروايات الصحيحة إن هذه هي آية الصيف . ورواية نزولها بسبب سؤال عمر لا تصح . ثم إن إختلافهم في تفسير الكلالة له مثار من اللغة ومجال من الآيتين : أما الأول : فقد قيل إن أصل الكلالة في اللغة ما لم يكن من النسب لَحَّا أي لاصقاً بلا واسطة . وقيل إنه ما عدا الوالد والولد من القرابة ، وهو بيان للقول الأول وقيل ما عدا الولد فقط . وقيل الأخوة من الأم . قال في لسان العرب عند ذكره " وهو المستعمل " : وقيل الكلالة من العصبة من ورث معه الأخوة من الأم . ويطلق هذا اللفظ على الميت الذي يرثه من ذكر ، وقيل بل على الورثة غير من ذكر ، وقيل على كل منهما والمرجّح القرينة . وهذا هو الصحيح لغة الذي يجمع به بين النصوص . والجمهور : على إن الكلالة من الموروثين من لا ولد له ولا والد ، وهو الذي قضى به أبو بكر ( رضي الله عنه ) وهو الحق وفيه الحديث الذي أرسله أبو داود ووصله الحاكم ، ولعله لو بلغهم كلهم لزال به كل خلاف . وأما الثاني : وهو مجال الخلاف من الآيتين ، فهو إن الآية الأولى التي ذكرت بين آيات الفرائض في أوائل السورة لم تفسّر الكلالة ، وإنما ذكرت ما يرثه الأخوة للأم إرث كلالة ، وأجمعوا على إن المراد بالأخوة فيها الأخوة من الأم . والآية الثانية بيّنت فرض أخوات العصب كلالة ، واشترطت فيه عدم الولد . ولكن من تأمل الآيات كلها ، علم إنه لا خلاف ولا إشكال فيها ، ذلك أنه بيّن قبل الآية الأولى إرث الأولاد ، ثم إرث الوالدين مع وجود الأولاد وعدمه ، ومع وجود الأخوة وعدمه ، ثم إرث الأزواج مع وجود الأولاد وعدمه ، وهؤلاء هم الذين يدلّون إلى من يرثونه بأنفسهم ، وكل من عداهم يرث بالواسطة ، فيعد كلالة على الإطلاق ، ثم جاء بعد ذلك قوله تعالى : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } [ النساء : 12 ] ومعنى يورث كلالة : يموت فيرثه من يرثه من أهله إرث كلالة ، أو حال كونه - أي الميت - كلالة ، أي لا ولد له ولا والد ، فلو لم يعلم هذا من اللغة ، لعلم من الآيات السابقة لأنه تقدم فيها ذكر إرث كل منهما ، فتعيّن إن تكون الكلالة عبارة عن عدمهما ، ولم يشترط إن لا يكون له زوج ؛ لأن العرب تطلق الكلالة على النسب دون الصهر ، ولولا ذلك لكانت القرينة قاضية بأن يقال إن المراد بالكلالة هنا ، من ليس له ولد ولا والد ولا زوج لأن الزوج يرث بلا واسطة كالأصول والفروع وقد ذكر فرضه ذكراً وأنثى قبل ذكر الكلالة ، فعلم من هذه الآية إن الأخوة من الأم ، أصحاب فرض في الكلالة ، وأن فرضهم هو فرض الأم التي حلّوا محلها في الإرث ، وهو من القرائن على كون المراد الأخوة من الأم . وبقي الأخوة من الأب والأم معاً أو من الأب فقط مسكوتا عنهم ، وقد بيّنت السنة أن من لم يفرض له فرض من الأقارب يحوز ما بقي من التركة بعد الفريضة ، إن كان عصبة على قاعدة أخذ الذكر مثل حظ الأنثيين ، وقاعدة كون الأقرب يحجب الأبعد . فلما مرض جابر وله أخوات من عصبته أراد أن يوصي لهن ؛ لأنه ليس لهن فرض وهو كلالة ، والعرب لم تكن تورّث الاناث ، فأنزل الله آية الفتوى في الكلالة ، فجعل لهن فيها فرضا . ولكن روي أن عمر ( رضي الله عنه ) أخذ بظاهر هذه الآية إذ نفت الولد ولم تنف الوالد ، وروي إنه رجع في آخر الأمر إلى رأي أبي بكر والجمهور ( رضي الله عنهم ) . وروي أنه كان كتب رأيه في لوح ومكث يستخير الله مدة فيه ، يقول اللهم إن علمت فيه خيراً فأمضه ، حتى إذا طعن دعا بالكتاب فمحي ، ولم يدر أحد ما كتب فيه ، فقال : إني كنت كتبت في الجد والكلالة كتابا ، وكنت أستخير الله فيه ، فرأيت إن أترككم على ما كنتم عليه . وروى عبد الرزاق وابن سعد عن ابن عباس قال : أنا أول من أتى عمر حين طعن فقال : " احفظ عني ثلاثا ، فإني أخاف إن لا يدركني الناس : أما أنا فلم أقض في الكلالة ولم استخلف على الناس خليفة وكل مملوك لي عتيق " وروي أيضاً إن علياً كان أنكر قول أبي بكر أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ، ثم رجع إلى قوله . وهاهنا عبرة يجب تدبّرها ، وهي أنني لم أر في سيرة عمر ( رضي الله عنه ) أغرب من هذه المسألة ، ولا أدل منها على قوة دينه وإيمانه بالقرآن ، وحرصه على بيان كل حكم من الشرع بدليله ، ووقوفه إذا لم تتبين له الحجة ولا سيما إذا كان الحكم في القرآن فلا مجال للاجتهاد فيه ، وقد " سئل مرة عن الكلالة وهو على المنبر ، فقال : الكلالة ، الكلالة ، الكلالة ، وأخذ بلحيته ثم قال : والله لأن اعلمها أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس من شيء ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف " فأعادها ثلاث مرات " رواه ابن جرير . فالظاهر إن صحت الروايات - أن عمر كان يحب إن يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الكلالة بالتفصيل فيسأله عن الكلالة سؤالا مطلقا مبهما لا يبيّن مراده منه ، فيذكر له صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله ولا يزيده من اجتهاده شيئاً ، فكبرت المسألة في نفسه وصارت إذا ذكرت تهوله وتحدث في نفسه اضطرابا ، فلا يتجرأ إن يستعمل اجتهاده ورأيه في فهمها . وقد عهد من كثير من العقلاء ما هو أغرب من هذا ، وهو إن يعجزوا عن تصور بعض الأمور كبعض أرقام الحساب مثلا ، ويكون تصورهم وإدراكهم لكل ما عدا ذلك صحيحا من غير إن يكون هنالك ما تخافه النفس ويضطرب له العصب ، كالقول في كتاب الله تعالى بغير بيّنة . فهل يعتبر بهذا من يقدمون اجتهادهم أو اجتهاد شيوخهم على ظاهر القرآن أو السنة ، أو الذين لا يقدمون كتاب الله على كل شيء ؟ وجملة القول : إن الكلالة من الوارثين من كلّ وأعيا عن إن يصل إلى الميت الموروث بنفسه ، فهو يصل إليه بواسطة من يتصل نسبه به بالذات ، وإنما النسب المتصل بالذات الأصل والفرع ، وما علا من الأصول وسفل من الفروع هو عمود النسب ، فلا يكون كلالة . فالكلالة من الوارثين إذاً هم الحواشي الذين يدلون إلى الميت بواسطة الأبوين أحدهما أو كليهما من الأطراف . والكلالة من الموروثين هو الذي يرثه غير الولد والوالد . فهذا ما كان يفهمه الصحابة ؛ لأنه المعروف في العربية ولا صحة لغيره . وما اشتبه بعضهم ، إلاّ لنفي الولد دون الوالد في هذه الآية ؛ لأنهم عهدوا أن القرآن خال من العبث ، واعتقدوا إنه منزّه عنه في ذكر ما يثبته وترك ما يتركه في معرض الحاجة إلى بيانه ، وهم موقنون بأنهم حفظوا هذا القرآن أكمل حفظ وأتمه ، فلا يحتمل إن يكونوا قد نسوا أو تركوا ذكر نفي الوالد مع نفي الولد في الآية . ولهذا أغلظ حذيفة الرد على عمر في خلافته لما سأله عن الآية ، إذ توهم إن يحمله على إن يقول فيها شيئاً برأيه . وعلى هذا يكون محل الإشكال هو نكتة نفي الولد دون نفي الوالد في الآية ، وإليك تفسيرها متضمنا لهذه النكتة : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } أي يطلبون منك أيها الرسول الفتيا فيمن يورث كلالة كجابر بن عبد الله الذي ليس له والد ولا ولد ، وله أخوات من عصبته ، وهؤلاء لم يفرض لهم شيء في التركة من قبل ، وإنما فرض للأخوة من الأم السدس للواحد منهم ، والثلث لما زاد عن الواحد شركاء فيه مهما كثروا ؛ لأنه سهم أمهم ليس لها سواه ، فقل لهم إن الله يفتيكم في الكلالة التي سألتم عنها بقوله : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } هلك مات ، ولا يستعمل منذ قرون إلا في مقام التحقير ، وقد استعمله القرآن في غير هذا المكان بمعنى الموت مطلقا بقوله عن يوسف عليه السلام { حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } [ غافر : 34 ] و { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } صفة امرؤ ، أو حال من الضمير في هلك . والمعنى : إن هلك امرؤ عادم للولد ، أو غير ذي ولد ، والحال إن له أختا من أبويه معا أو من أبيه فقط ، فلها نصف ما ترك . والنكتة في الاكتفاء بنفي الولد وعدم اشتراط نفي الوالد تظهر بوجوه : ( 1 ) إنه داخل في مفهوم الكلالة لغة . ( 2 ) إن الأكثر أن الإنسان يموت عن تركة بعد موت والديه ؛ لأن المال الذي يتركه أما إن يكون ورثه منهما ، وإما إن يكون اكتسبه ، وإنما يكون الكسب في سن الشباب والكهولة ، ويقلّ في هذه الحال بقاء الوالدين فلم يراع في الذكر إيجازا . ( 3 ) وهو العمدة ، أن عدم إرث الأخوة والأخوات مع الوالد الذي يدلون به ، قد علم من آيات الفرائض التي أنزلت أولا ، وتقدّمت في أوائل السورة ، ومضت السنة في بيانها والعمل بها على ذلك . وعلم أيضاً من القاعدة القياسية المأخوذة من تلك الآيات ومن هذه الآية ، وهي كون الأصل في الإرث إن يكون للذكر من كل صنف مثل حظ الأنثيين ، ومن قاعدة حجب الوالد لأولاده . قال تعالى في الآيات الأولى : { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ } [ النساء : 11 ] أي والباقي وهو الثلثان لأبيه عملا بالقاعدة . { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } [ النساء : 11 ] لأن أولادها يحجبونها حجب نقصان ، فيكون ثلثها سدساً ، والسدس الآخر يكون لهم عند ابن عباس ، وأما الجمهور فيقولون إن الباقي كله للأب ؛ لأن الآية بيّنت إن وجودهما ينقص فرضها ، ولم تفرض لهم شيئاً ، وعلى كل قول ليس لهم فرض مع وجود الأب الذي يحجبهم حجب حرمان ؛ لأنهم لا يصلون إلى أخيهم إلا به ، وما يتركه من هذا المال وغيره يعود إليهم ، فلهذه الوجوه لم يكن لاشتراط عدم الأب فائدة ، فترك إيجازاً للعلم به من لفظ الكلالة ومن الآيات السابقة ، والقواعد الثابتة ، وكذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم المبني على ما ذكر والمبيّن له ، وهو ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر " وليس الاستغناء عن نفي الوالد هنا مع إرادته ، إلاّ مثل الاستغناء عن اشتراط إن يكون هذا الفرض من بعد وصية يوصى بها أو دين ، كل منهما علم مما قبله ، فاستغني عن إعادة ذكره ، بل الاستغناء عن ذكر نفي الوالد أقوى ، لما ذكرناه من العلم به من اللفظ ، وكون الغالب إنه لا يوجد ، وكونه إن وجد يكون حجبه لأولاده معلوماً قطعيا ؛ لأنه منصوص ومقيس . وإنما أطلت في هذه المسألة ، وكررّت بعض المعاني ، لاضطراب المتقدمين والمتأخرين في الكلالة ، وعدم الاطلاع على بيان تام في التوفيق بين ما جرى عليه جمهور الصحابة واتفق عليه المتأخرون ، وبين عبارة القرآن المجيد ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إن هدانا الله . وقد اختلفوا في الولد هنا ، هل هو على إطلاقه فيشمل البنت ، أو هو خاص بالابن كما يطلق أحياناً . وسبب الخلاف . إن الأخت لا ترث شيئاً مع وجود الابن بالإجماع ، وأما مع وجود البنت فترث ، ومن قال إن الولد يشمل الذكر والأنثى هنا ، لم يوارث الأخت مع وجود البنت ، مانعاً من اشتراط عدم وجود البنت لإرثها النصف فرضا ؛ لأن الفرض الثابت لها هنا وهو النصف ، يشترط فيه عدم وجود البنت ، فإنها إذا وجدت تجعلها عصبة ترث ما بقي بعد أخذ كل ذي فرض حقه من التركة ، وقد يكون هذا الباقي النصف ، وقد يكون أقل من النصف . فإذا لم يكن ثم وارث إلا البنت والأخت ، كان النصف للبنت فرضاً ، والباقي وهو النصف للأخت تعصيبا لا فرضاً ، فلا ينافي الآية ؛ لأنه إذا كان مع البنت زوجة ، فإنها تأخذ الثمن فيكون ما بقي للأخت أقل من النصف ، ولو كانت ترث النصف فرضاً مع وجود البنت ووجد مع البنت زوجة للميت لعالت المسألة ، وكان النقص من السهام لاحقا بكل الانصباء فلا تقل سهام الأخت عن سهام البنت . فعلم من هذا أن الولد المنفي هنا يشمل الذكر والأنثى ولا إشكال فيه . { وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ } أي والمرء يرث أخته إذا ماتت ، إن لم يكن لها ولد ذكر ولا أنثى ، ولا والد يحجبه عن إرثها كما علم من معنى الكلالة ومن الآيات والقواعد التي أشرنا إليها آنفا وبيّنا إنها هي التي جعلت من الإيجاز البليغ عدم ذكر اشتراط نفي الوالد ؛ لأنه كتحصيل الحاصل ، كاشتراط كونه بعد الوصية والدين للعلم بذلك ، فإن لم يكن لها ولد البتة ورثها وحده فكان له كل التركة ، وهو موافق لقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين . والظاهر إن هذا هو المراد ؛ لأنه مقابل إرث الأخت للنصف وإنما أطلق الإرث ولم يبيّن النصيب ؛ لأن الأخ ليس صاحب فرض معيّن لا يزيد ولا ينقص ، بل هو عصبة يحوز كل التركة عند عدم وجود أحد من أصحاب الفروض ، وأما عند وجود أحد منهم ، يرث هو معه فيحوز كلالة جميع ما بقي على القاعدة المبيّنة في الحديث الصحيح الذي ذكرناه آنفا ، فبنت الأخت في مسألتنا لها النصف فرضاً إذا انفردت ، فهو يرث معها الباقي وهو النصف الآخر ، فإذا ماتت عنه وعن بنت وزوج ، فللبنت النصف وللزوج الربع وللأخ الباقي وهو الربع . وقد أراد بعضهم أن يدخل الصور التي يرث فيها الأخ مع البنت الأخت في مفهوم { وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ } ففسّروا الولد بالابن ولا مندوحة عن ذلك إذاً ؛ لأن البنت لا تحجبه عن الميراث بالإجماع ، ولكن إرادة هذه الصور غير متعين وحكمها معلوم من النصوص الأخرى . { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } أي فإن كان من يرث بالأخوّة أختين ، فلهما الثلثان مما ترك أخوهما كلالة ، وكذا إن كن أكثر من اثنتين بالأولى كأخوات جابر وكن سبعاً أو تسعاً ، والباقي لمن يوجد من العصبة ، إن لم يكن هنالك أحد من أصحاب الفروض كالزوجة ، وإلاّ أخذ كل ذي فرض فرضه أولا كما هو مقرر . وعبر بالعدد فقال : اثنتين دون أختين ، لأن الكلام في الأخوة والعبرة في الفرض بالعدد . { وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً } أي وإن كان من يرثون بالأخوة كلالة ذكوراً وإناثاً { فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ } منهم على القاعدة في كل صنف اجتمع منه أفراد في درجة واحدة ، إلاّ أولاد الأم ، فإنهم شركاء في سدس أمهم لحلولهم محلها ، ولولا ذلك لم يرثوا ؛ لأنهم ليسوا من عصبة الميت . وفي العبارة تغليب الذكور على الإناث وهو معروف في اللغة . { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } أي يبيّن الله لكم أمور دينكم ومن أهمها ، تفصيل هذه الفرائض وأحكامها ، كراهة أن تضلوا ، أو تفادياً بها من أن تضلوا . والمراد لتتقوا بمعرفتها والاذعان لها الضلال في قسمة التركات وغيرها . هذا هو التوجيه المشهور زدناه بيانا بالتصرّف في التقدير ، وهو على هذا مفعول لأجله . وقدّم البيضاوي عليه وجهاً آخر فقال : " أي يبيّن الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه ، ونقل الرازي عن الجرجاني صاحب النظم إنه قال " يبين الله لكم الضلالة لتعلموا إنها ضلالة فتجتنبوها " أهـ . والكوفيون يقدّرون حرف النفي ، أي لئلا تضلوا . والأول الذي عليه البصريون أظهر ، وفي حديث ابن عمر : " لا يدعو أحدكم على ولده أن يوافق من الله ساعة إجابة " قيل معناه لئلا يوافق ساعة إجابة ، والأظهر تقدير البصريين ، أي كراهة إن يوافق ساعة إجابة . وفي معنى الكراهة الحذر والتفادي ، وهو استعمال معروف وتكرر في القرآن . { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فما شرع لكم هذه الأحكام وسواها ، إلاّ عن علم بأن فيها الخير لكم وحفظ مصالحكم وصلاح ذات بينكم ، كما هو شأنه في جميع أحكامه وأفعاله ، كلها موافقة للحكمة ، الدالة على إحاطة العلم وسعة الرحمة . ومن مباحث اللفظ والأسلوب في الآية : إنها تدل على أن المعلوم من السياق ، له حكم المذكور في اللفظ ، حتّى في إعادة الضمير عليه ، فلا يتعين تقدير لفظ المرء في بيان مرجع ضمير " وهو يرثها " بل يصح إن نقول إن المعنى : وهو - أي أخوها - يرثها إلخ . ومثله قوله : " فإن كانتا وإن كانوا " . ومن مباحث تاريخ القرآن وأسباب نزوله ما روي من كون هذه الآية آخر آية نزلت . روى الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم عن البراء قال : آخر سورة نزلت كاملة براءة ( أي التوبة ) وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } أي من آيات الفرائض كما صرّح به بعضهم . وبهذا لا تنافي ما رواه البخاري عن ابن عباس قال : " آخر آية نزلت آية الربا " وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ، وفي بعض الروايات عن عمر التعبير بقوله : " من آخر ما نزل آية الربا " رواه أحمد وابن ماجه ، قالوا المراد بآية الربا { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [ البقرة : 278 ] الآية . وذكر عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يفسّرها . وفي روايات ضعيفة عن ابن عباس إن آخر آية نزلت أو آخر ما نزل قوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] الآية وهي بعد آيات الربا من سورة البقرة ، التي تقدم إنها من آخر ما نزل أو آخره . قال في رواية الكلبي عن أبي صالح عنه : وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوماً . ورواية الكلبي عن أبي صالح هي أو هي الروايات عن ابن عباس فلا يعتد بها . وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير إنها " آخر ما نزل من القرآن كله - قال - وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ومات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول " وفي هذه الرواية بحث ليس هذا محله . وجملة القول إنه لا سبيل إلى القطع بآخر آية نزلت من القرآن ، وإنما نقول إن هذه الآية من آخر ما نزل قطعاً ، ويجوز أن تكون آخرها كلها ، والله أعلم . خلاصة السورة افتتحت السورة بالأمر بالتقوى وذكر بدء خلق الناس وتناسلهم ، ثم بالأحكام المتعلقة بالبيوت ( الأهل والعشيرة ) وحقوق اليتامى والنساء ، المالية والأدبية ، ومنها فرائض المواريث وارث النساء وعضلهن وعقاب من يأتي الفاحشة من الجنسين ، ومحرمات النكاح ومحللاته ، وغير ذلك من أحكام الأزواج وحقوق الزوجية . فهذا نسق واحد في خمس وثلاثين آية ، تتخللها على سنة القرآن الوصية بالتقوى والترغيب في الطاعة والوعد عليها والوعيد على المعاصي ، وغير ذلك من المواعظ التي تغذي الإيمان بالله وتزكي النفس . يلي ذلك محاجة أهل الكتاب من اليهود ، ممهداً لها بالأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الشرك والأمر بالإحسان بالوالدين والأقربين واليتامى والمساكين والجيران ، وتشنيع البخل وكتمان نعم الله ووعيد الكفر وعصيان الرسول . وذلك في بضع آيات ليس فيها من آيات الأحكام شيء ، إلاّ ما ختمت به من آية التيمم المفتتحة بالنهي عن الصلاة في حال السكر . ثم صرّح بعدها بحكاية أحوال اليهود في دينهم وأخلاقهم ، وبيّن ما في ذلك من العبر ، وما يستحقون عليه من الوعيد ، ليعلم منه سنة الله وحكمه فيمن يعمل مثل عملهم وتكون حاله كحالهم ، كما وعد من كان على ضد ذلك وهو الإيمان والصلاح لأجل العبرة والقدوة . وذلك من آية 43 إلى 56 . ولما كان في بيان أحوال اليهود ذكر لحالهم في الملك - لو كان لهم نصيب منه وهو الاثرة وحرمان غيرهم من أقل منفعة ، بيّن عقبه ما يجب أن تؤسس عليه الحكومة الإسلامية وهو آداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بين الناس كلهم بالعدل بلا محاباة ، وإطاعة الله فيما جاء في الكتاب من الأحكام ، وإطاعة رسوله فيما مضت به سنته من بيانها والقضاء بها أو باجتهاده صلى الله عليه وسلم ، وأولي الأمر وهم أهل الحل والعقد فيما يضعون للناس من النظام المدني والسياسي مما يحتاجون إليه بحسب المصالح العامة في كل عصر ، فيكون ما يضعونه مطاعا في الدرجة الثالثة . ثم شرّع في بيان أحوال المنافقين وأخلاقهم ، وما يجب إن يعاملوا به ، وأهم ذلك أحوالهم ومعاملتهم في وقت القتال ، ولهذه المناسبة ذكرت أحكام وحكم ومواعظ كثيرة تتعلق بالقتال والهجرة والأمان وقتل الخطأ والعمد وصلاة الخوف والسفر ، وقد أكد في أثناء هذه الآيات أمر طاعة الله ورسوله . فهذا سياق بدىء من آية 57 وانتهى إلى 103 . بعد هذا جاءت آيات في خطاب الرسول بالحكم بين الناس بما أراه الله في كتابه ، والإشارة إلى واقعة أراد بعضهم إن يحابي الرسول فيها بعض المسلمين على أهل الكتاب ، وعقبها بما يناسب هذا المقام من الوعظ والوعد والوعيد ، ولا سيّما وعيد من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، ثم مسألة جواز المغفرة لما عدا الشرك ، يتبعها بيان شيء من ضلال مشركي العرب ، ثم بيان إن أمر النجاة في الآخرة منوط بالإيمان والعمل ، لا بالأماني والانتساب إلى دين شريف ونبي مرسل . فكانت أحكام هذه الآيات ومواعظها في شؤون أهل الكتاب والمشركين والمؤمنين جميعاً ومزايا الإسلام ، ولذلك ختمها ببيان حسن ملة إبراهيم الحنيفية وهو المتفق على فضله عند هذه الطوائف كلها . ويمتد هذا السياق إلى آية 125 . تلا ذلك آيات في أحكام النساء واليتامى والمستضعفين من الولدان ، ونشوز النساء والعدل بينهن ، والإصلاح بين الأزواج وتفرقهم ، دعمت بآيات في الوصية بالتقوى والتذكير بالله تعالى ووعده ووعيده ؛ والأمر بالمبالغة في القيام بالقسط والشهادة بالحق ، ولو على الأقربين والأغنياء والفقراء من غير محاباة ولا شفقة . وذلك في نحو من عشر آيات . ثم عاد إلى الكلام في أحوال المنافقين بعد التمهيد له بالأمر بالإيمان وذكر آركانه ووعيد الذين يتقلبون ويتذبذبون فيه ، فذكر موالاتهم للكافرين وسببها ومنشأها من نفوسهم ، ومخادعتهم لله ووعيدهم وجزاءهم وجزاء من تاب وأصلح منهم وجزاء المؤمنين الصادقين . وقد انتهى ذلك بآية 146 وهي آخر الجزء الخامس . ثم انتقل منه إلى أحوال أهل الكتاب في الإيمان والكفر ، عوداً على بدء ، فافتتح بحكم الجهر بالسوء من القول ، وكون الأصل فيه القبح والذم ، وحسن مقابله ، وهو ابداء الخير في القول والعمل . وبعد هذا ذكر الذين يفرّقون بين الله ورسله بدعوى الإيمان ببعض والكفر ببعض ، وبيان عراقة هذا في الكفر ، وما يقابله من الإيمان بالجميع ، وقفّى على ذلك ببيان مشاغبة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم وحجته تعالى عليهم بمعاندة موسى وعبادة العجل ونقض ميثاق الله وقتل الأنبياء وإيذاء المسيح وأمه والافتخار بدعوى قتله . وختم ذلك ببيان حال الراسخين في العلم منهم والمؤمنين . وذلك في نصف حزب ينتهي بآية 161 . بعد هذا أقام الله حجته على صحة نبوّة خاتم رسله ، بكون وحيه إليه كوحيه إلى من قبله منهم ، وكونه بعث الرسل إلى كل الأمم ، أي فلم يجعله خاصاً ببني إسرائيل ، وكونه تعالى يشهد بما أوحاه إلى رسوله إذ جعله مقرونا بالعلم الأعلى ، منزلاً على الأمي الذي لم يتعلم شيئاً ، وختم هذا ببيان حال من يكفر به وغايته التي يؤول إليها ، ودعوة الناس كافة إلى الإيمان به . فتم هذا السياق ببضع آيات . ثم انتقل الكلام إلى إقامة الحجة على النصارى وإبطال عقيدة التثليث وإثبات الوحدانية وبيان ما هو المسيح ، وختمها بالوعد والوعيد وبيان إن محمداً - رسوله تعالى - برهان وكتابه نور ، ودعوة الناس كافة إلى الاهتداء بهما ، ووعد من اعتصم بهذا الكتاب بالرحمة والفضل الالهيين ، وهداية الصراط المستقيم الذي يصل سالكه إلى سعادة الدارين . وهذا هو ختم هذه السورة الحكيمة التي بيّن الله فيها أصول الحكومة الإسلامية وأهم فرائضها وأحكامها ، وناهيك بأحكام النساء والأهل والمواريث والنكاح وحقوق الزوجية ، والإيمان والشرك والتوبة والقتال ، وشؤون المنافقين وأهل الكتاب ودحض شبهاتهم فهي أعظم السور الطوال فوائد وأحكاماً وحججاً . وأما الآية الأخيرة منها ، فهي ذيل للسورة في فتوى متممة لأحكام الفرائض التي في أوائلها . وقد بيّنا غير مرة الحكمة في أسلوب المزج في القرآن . وأما فائدة الأحكام أو المسائل التي تجعل ذيلا أو ملحقا لكتاب أو قانون فهي إن الذهن يتنبّه إليها فضل تنبّه ، فلا يغفل عنها كما يغفل عما يكون مندمجاً في أثناء أحكام أو مسائل كثيرة من ذلك النوع . فكأن جعل هذه الآية مفردة على غير فواصل السورة ، يراد به توجيه النفوس إليها ، لئلا تغفل عنها ، وهذا الأسلوب صار مألوفاً هذا العصر عند كثير من أمم العلم ، حتى في المراسلات الخاصة ، يجعلون للرسالة ذيلا يسمّونه حاشية ، كما يكون ممن نسي مسألة ثم تذكرها بعد إتمام الرسالة وإمضائها بكتابة اسمه في آخرها ، وهم يتعمدون ذلك كثيراً لما ذكرنا من الغرض ، والله أعلم وأحكم .