Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 46-49)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن القول في مناسبة هذه الآيات لما قبلها كالقول فيما قبلها سواء ، فهي ضرب من ضروب الدعوة إلى التوحيد والرسالة بوجه آخر من وجوه : الإحتجاج ، قال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ } ؟ أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت من التوحيد والهدى أرأيتم ماذا يكون من شأنكم مع آلهتكم الذين تدعونهم راجين شفاعتهم إن أصمكم الله تعالى فذهب بسمعكم ، وأعماكم فذهب بأبصاركم ، وختم على قلوبكم وألبابكم ، التي هي مراكز الفهم والشعور والعقل من أنفسكم ، فأصبحتم لا تسمعون قولاً ، ولا تبصرون طريقاً ، ولا تعقلون نفعاً ولا ضراً ، ولا تدركون حقاً ولا باطلا ، - من إله غير الله يأتيكم بذلك ، أو بما ذكر مما أخذ الله منكم ؟ أي لا إله غيره فيقدر على إتيانكم به ، ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك ، وإذا كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون فلماذا تدعونهم والدعاء عبادة لا يكون إلا للإله القدير ؟ { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } أي انظر كيف ننوع الحجج والبينات الكثيرة ونجعلها على وجوه : شتى ليتذكروا ويقتنعوا ، فينيبوا ويرجعوا ، ثم هم يعرضون عنها ، ويتجنبون التأمل فيها ، يقال صدف عن الشيء صدفاً وصدوفاً إذا أعرض اعراضاً شديداً ، وقيل إنه مأخوذ من صدفة الجبل أي جانبه ومنقطعة . والعطف بثم يفيد الإستبعاد لأن تصريف الآيات والدلائل سبب غاية الإقبال ، فكان من المستبعد في المعتاد والمعقول أن يترتب عليه منتهى الإعراض ، وقد سبق مثل هذا في أول السورة . ويليه في أوائلها الكلام في أعراضهم عن الآيات ، وقد فصلنا القول في تفسيره تفصيلا . { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الظالمين أرأيتكم أنتم أنفسكم كيف يكون شأنكم - أو أخبروني عن مصيركم - إن أتاكم عذاب الله الذي مضت سنته في الأولين ، بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين ، مباغتاً ومفاجئاً لكم - أو إتيان مباغتة - فأخذكم على غرة لم تتقدمه أمارة تشعركم بقرب نزوله بكم ، أو أتاكم ظاهراً مجاهراً - أو إتيان جهرة - بحيث ترون مباديه ومقدماته بأبصاركم . هل يهلك به إلا القوم الظالمون منكم ، وهم المصرون على الشرك وأعماله عناداً وجحوداً ، إذ مضت سنّته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين . فكأنه قال لا يهلك به غيركم ، وإنما تهلكون بظلمكم لأنفسكم وجنايتكم عليها . وقد ظن بعض المفسرين أن هذا من العذاب الذي يكون عاماً يؤخذ فيه غير الظالم بجريرة الظالم ، كالمصائب التي تحل بالأمم من جراء ظلمهم وفجورهم الذي يفضي إلى ضعفهم والإعتداء على إستقلالهم ، أو إلى تفشي الأمراض أو المجاعات فيهم ، فتكلفوا في تفسير الآية تكلفاً يصححون به ظلمهم ، فزعموا أن هلاك غير الظالم بهذا العذاب لا ينافي الحصر لأنه يكون عذاباً في الظاهر فقط . وأما في الباطن والحقيقة فهو سعادة ، لما يترتب عليه من الثواب والدرجات الرفيعة ، ومن أشهر هؤلاء الظانين في الآية غير الحق الرازي والطبرسي . ويدل على ما اخترناه ما ذكر من الجزاء على تكذيب الرسل في قوله تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } أي تلك سنّتنا في إهلاك المكذبين للرسل : ما نرسل المرسلين إليهم إلا مبشرين من آمن وأصلح عملا بالجزاء الحسن اللائق بهم ، ومنذرين من أصر على الشرك والإفساد في الأرض بالجزاء السيئ الذي يستحقونه { فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي فلا خوف عليهم من عذاب الدنيا الذي ينزل بالجاحدين ، ولا من عذاب الآخرة الذي أعده الله للكافرين ، ولا هم يحزنون يوم لقاء الله تعالى على شيء فاتهم لأن الله تعالى يقيهم من كل فزع { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ الأنبياء : 103 ] وهم الذين قال فيهم { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } [ عبس : 38 - 39 ] . ولك أن تقول إن هؤلاء الكملة لا يحزنون في الدنيا أيضاً مما يحزن منه الكفار والفساق كفوات شهوات الدنيا ولذاتها ، أو لا يكون حزنهم كحزنهم في شدته وطول أمده ، فإنهم إذا عرض لهم الحزن لسبب صحيح . كموت الولد والقريب والصديق ، أو فقد المال وقلة النصير ، يكون حزنهم رحمة وعبرة ، مقروناً بالصبر وحسن الإسوة ، لا يضرهم في أنفسهم ولا أبدانهم ، ولا يغير شيئاً من عاداتهم وأعمالهم ، فالإيمان بالله يعصمهم من إرهاق البأساء والضراء ، ومن بطر السراء والنعماء ، عملا بقوله عز وجل { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [ الحديد : 22 - 23 ] . { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } أي والذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها الرسل يصيبهم العذاب في الدنيا أحياناً ، ولا سيما عند الجحود والعناد الذي يكون في المجموع دون بعض الأفراد ، وفي الآخرة على سبيل الشمول والأطراد ، وذلك بسبب فسقهم أي كفرهم وإفسادهم . فهؤلاء قد ذكروا في مقابل الذين آمنوا وأصلحوا أنفسهم وأعمالهم ومعاملاتهم ، فالتكذيب يقابل الإيمان ، والفسق يقابل الإصلاح ، وإن كان أعم منه في اللغة والإصطلاح ، فهو يطلق على الكفر والخروج من الطاعة . وفسر ابن زيد الفسق بالكذب هنا وفي كل القرآن وهو تفسير غير مسلم . والمس اللمس باليد وما يدرك به ، ويطلق على ما يصيب المدرك مما يسوءه غالباً من ضر وشر وكبر ونصب ولغوب وعذاب الضراء والبأساء . وهذا الإستعمال كثير في القرآن يعد بالعشرات ، ويسند الفعل فيه إلى سبب السوء والألم . وقد أسند إلى ما يسر في مقابلة إسناده إلى ما يسوء في قوله تعالى : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [ آل عمران : 120 ] وفي الآية السابعة عشرة من هذه السورة وقد تقدم ، وفي قوله تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } [ المعارج : 19 - 22 ] وذكر مس الضر في أواخر سورة يونس [ الآية : 107 ] وقابله بإرادة الخير . وقد ورد المس بمعنى الوقاع في سورة البقرة ولم يرد في القرآن بمعنى اللمس باليد إلا في قوله تعالى : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 79 ] أي القرآن . وفسر بعضهم المس بالإطلاع والمطهرين بالملائكة .