Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 130-131)
Tafsir: Tafsīr al-Manār
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات تفصيل لمقدمات الهلاك الموعود به فيما قبلها وإنجاز وعد الله تعالى لبنيّ إسرائيل بالإستخلاف في الأرض . { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } صدرت الجملة بالقسم الدالة عليه لامه لتأكيد مضمونها وتعظيم شأنه وكيف لا وهو من أظهر آياته سبحانه على تأييد رسله وقدرته على الأدالة للمظلومين المستضعفين من الأقوياء الظالمين . وقد كثر إستعمال مادة " الأخذ " في العذاب وما في معناه كقوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] { فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 42 ] { فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } [ المزمل : 16 ] ( يعني فرعون موسى ) { فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } [ الحاقة : 10 ] وآل فرعون قومه كما أطلقه المفسّرون ، أو خاصته وأعوانه في أمور الدولة وهم الملأ من قومه الذين كثر ذكرهم في قصّته ووجهه أنهم هم المذنبون المعاندون لموسى وإنّما وقوع العذاب على غيرهم بالتبع لهم لأنهم كانوا موافقين ومقرين لهم على ظلمهم وقد قال تعالى : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ الأنفال : 25 ] وهذه سنة من سنن الإجتماع العامة وسيأتي توجيه القول الأوّل . وأصل اللغة أن آل الرجل أهل بيته وأقاربّه الذين يضافون إلى اسمه ، وهو لا يضاف إلاّ إلى أعلام شرفاء قومهم وكبرائهم كالأنبياء والملوك والرؤساء ثم أطلق على أهل الإختصاص بهم أو جميع أتباعهم ، ومن هنا قال بعض العلماء إن آل النبيّ صلى الله عليه وسلم يطلق على جميع أتباعه وأن هذا هو المراد بالصلاة على آل النبيّ في التشهد وغيره . قال الراغب : الآل قيل مقلوب عن الأهل ويصغر على أهيل إلاّ أنّه خصّ بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال آل فلان ولا يقال آل رجل ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل يقال آل الله وآل السلطان ، والأهل يضاف إلى الكلّ يقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا وبلد كذا . وقيل هو في الأصل اسم الشخص ويصغر أويلا ويستعمل فيمن يختص بالإنسان إختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة قال عزّ وجلّ : { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ } [ آل عمران : 33 ] وقال : { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] قيل وآل النبيّ صلى الله عليه وسلم أقاربه وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم فيقال لهم آل النبيّ وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقال لهم آله ، فكل آل للنبي أمة له وليس كلّ أمّة له آله . وقيل لجعفر الصادق ( رضي الله عنه ) : الناس يقولون المسلمون كلّهم آل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال كذبوا وصدقوا ، فقيل ما معنى ذلك ؟ فقال كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله . وقوله تعالى : { رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } [ غافر : 28 ] أي من المختصين به وبشريعته وجعله منهم من حيث النسب أو المسكن أو من حيث تقدير القوم أنّه على شريعتهم اهـ . بعد هذا نقول إن " آل فرعون " أطلق في القرآن على أهل بيته خاصة في موضع واحد لا يحتمل غيرهم وفي موضع آخر محتمل لغيرهم فالأوّل قوله تعالى : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] والثاني قوله : { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } [ غافر : 28 ] وأطلق كثيراً بمعنى ملئه وخاصة أتباعه أو جملتهم كقوله : { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } [ البقرة : 50 ] { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } [ البقرة : 49 ] { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 45 ] { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } [ القمر : 41 ] كذلك كثر ذكر ملأ فرعون في إرسال موسى إليهم وما دار بين فرعون وبينه وهم أشراف قومه ورجال دولته كما تقدّم ولولا أن ورد ذكر قومه في بعض الآيات لحملنا الآل في الآية التي نحن بصدد تفسيرها وفي أمثالها عليهم دون سائر قومه فقد قال تعالى في أوّل قصّة موسى من سورة الشعراء : { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الشعراء : 10 ] { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } [ الشعراء : 11 ] وقال في سورة الدخان : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } [ الدخان : 17 ] إلخ . ومن الواضح أن عامة قوم فرعون ينالهم من عذاب الأخذ بالسنين ونقص الثمرات ما لا ينال فرعون وأهل بيته وخاصة ملئه فالمراد بآله قومه وهم أهل مصر في عهده ، وهم مؤاخذون بظلمه وطغيانه لأن قوّته المالية والجندية منهم ، وقد خلقهم الله أحراراً وكرمهم بالعقل والفطرة التي تكره الظلم والطغيان بالغريزة فكان حقّاً عليهم أن لا يقبلوا استعباده لهم وجعلهم آلة لطغيانه وإرضاء كبريائه وشهواته ولا سيّما بعد بعثة موسى ووصول دعوته إليهم ورؤيتهم لما أيده الله به من الآيات . وأمّا السنون فهي جمع سنة وهي بمعنى الحول ولكن أكثر ما تستعمل في الحول الذي فيه الجدب كما قال الراغب وغيره أي إلاّ إذا ذكرت في مقام العدد والإحصاء . والأخذ بالسنين صريح في إرادة العقاب بالجدب والضيق ويؤيده نقص الثمرات ، وهل يدخل نقص الثمرات في عموم المراد من السنين أم هي خاصة بنفس الغلال التي عليها مدار الأقوات دون الفاكهة التي لا تكفي للقوت وإن كان منها النخيل والأعناب ؟ وجهان : ونقص الثمرات نص على شدة الضيق في كلّ حال ، وهذا إجمال يفسره قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ } [ الأعراف : 133 ] وما هو ببعيد . وجملة معنى الآية أنّه تعالى أخذ آل فرعون بالجدب وضيق المعيشة لعلهم يتذكرون ضعفهم أمام قوّة الله وعجز ملكهم الجبار المتغطرس وعجز آلهتهم ولعلهم إذا تذكروا اعتبروا واتعظوا فرجعوا عن ظلمهم لبنيّ إسرائيل وأجابوا دعوة موسى عليه السلام ، فإن الشدائد من شأنها أن ترقق القلوب وتهذب الطباع وتوجه الأنفس إلى مرضاة ربّ العالمين والتضرع له دون غيره من المعبودات التي اتخذت في الأصل وسائل إليه وشفعاء عنده ، ثم صار ينسى في وقت الرخاء لأنّه غيب لا يرى وتذكر هي لأنها مشاهدة مجانسة لعابديها بل هي أو أكثرها دونهم لو كانوا يعقلون ، فإذا بلغ الشرك من الناس أن ينسوا الله تعالى حتى في أوقات الشدائد فذلك هو الضلال البعيد . كذلك كان دأب آل فرعون بعد إنذار موسى إياهم { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } من خصب ورخاء وهو الغالب { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } دون غيرنا ونحن المستحقون لها بما لنا من التفوّق على الناس { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } أي وإن اتفق أن أصابتهم سيئة أي حالة تسوءهم كجدب أو جائحة أو مصيبة أخرى في الأبدان أو الأرزاق تشاءموا بموسى ومن معه من الأنصار كأخيه هارون أو جميع قومه ويرون أنهم إنّما أصيبوا بشؤمه وشؤمهم ، ويغفلون عن سيئات أنفسهم وظلمهم لقوم موسى لأن هذا عندهم من الحقوق ، كما هو شأن الإفرنج في ظلمهم لمن يستضعفونهم من أهل الشرق . أصل يطيروا يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء وسبب إستعمال التطير بمعنى التشاؤم أن العرب كانت تتوقع الخير والشر ممّا تراه من حركة الطير حتى أنها تزجرها إذا لم تمر من تلقاء نفسها فإذا طارت من جهة اليمين تيمنت أي رجت وقوع اليمين والبركة والخير - وإذا طارت من جهة الشمال تشاءمت وتوقعت الشر والمصيبة ، ويسمى الطائر الأوّل السانح والآخر البارح ، ثمّ إنهم سموا الشؤم طيراً وطائراً والتشاؤم تطيراً ، ولذلك قال تعالى في رد خرافتهم { أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } إبتدأ الرد عليهم بأداة الإفتتاح " ألاّ " للإهتمام به إذ المراد بها توجيه ذهن القاريء لما يلقى بعدها حتى لا يفوته شيء منه ، أي إلاّ فليعلموا أن الشؤم الذي نسبوه إلى موسى وعدوه من آثار وجوده فيهم هو عند الله تعالى لا عند موسى ومن معه ، فهو تعالى قد جعل لكلّ شيء قدراً من حسنة وسيئة بمعنى أنّه وضع لنظام الكون سننا تكون فيها المسببات على قدر الأسباب ، ولكلّ منها حكم ، فبمقتضى هذه السنن والأقدار ينزل البلاء عليهم ، وهو إمتحان وإختبار لهم بما يسوءهم ، ليتوبوا ويرجعوا عن ظلمهم وبغيهم على بني إسرائيل وطغيانهم وإسرافهم في كل أمورهم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون حكم التصرف الرباني في الخلق ولا أسباب الخير والشر الصوريّة ولا المعنويّة وكون كلّ شيء في هذا الكون بمشيئته تعالى وتدبيره . وفي الآية من نكت البلاغة أنّه عبّر عن مجيء الحسنة بإذا الدالة على تحقق الوقوع وعرفها لإفادة أنها الأصل الثابت الغالب بغلبة رحمة الله وفضله على سخطه وعقابه ، وعبر بإصابة السيئة بإن التي هي أداة الشك - أي إن شرطها إما مشكوك في وقوعه وإما منزل منزلة المشكوك فيه لندرته أو لسبب آخر - وذكر السيئة لإفادة أن وقوعها قليل وخلاف الأصل الغالب . وإفاد بالتعبيرين أن القوم لم يتربوا بالحسنات ولا بالسيئات ، وأن الحسنة على عظمتها وكثرتها ما زادتهم إلاّ غروراً بحالهم ، وتمادياً في ظلمهم ، وإصراراً على بغيهم ، وأن السيئة لم تفدهم عظة ولا عبرة ولم تحدث لهم توبة ، وهاك تفصيل ذلك .