Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 167-171)

Tafsir: Tafsīr al-Manār

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات خاتمة قصّة بني إسرائيل في هذه السورة ، وما سيأتي من نبأ الذي آتاه الله آياته فإنسلخ منها مثل عام ليس فيه ما يدلّ على أنّه كان منهم كما روي عن بعض المفسّرين فهو لا يدخل في قصتهم ، ومناسبة هذه لمّا قبلها مباشرة أنّها بيان لجريان سنة الله العامة في عقاب الأمم وإنطباقها على اليهود عامة ، بعد بيان عقابه تعالى لطائفة منهم قال عزّ وجل : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } تأذن صيغة تفعُّل من الإيذان ، وهو الإعلام الذي يبلغ فيدرك بالآذان ، ويتضمّن هنا تأكيد القسم ، ومعنى العهد المكتوب الملتزم ، بدليل مجيء لام القسم ونون التوكيد في جوابه . والمعنى : وأذكر أيها الرسول الخاتم العام إذ أعلم ربّك هؤلاء القوم المرّة بعد المرّة أنّه قد قضى في علمه وكتب على نفسه ، وفاقاً لمّا أقام عليه نظام الإجتماع البشري من سننه ليبعثن ويسلطن عليهم إلى يوم القيامة مَنْ يسومهم سوء العذاب ، أي يريده ويوقعه بهم ، عقاباً على ظلمهم وفسقهم وفسادهم ، وهو مجاز من سوم الشيء ، كما يقال سامه خسفاً . وسوء العذاب ما يسوء صاحبه ويذلّه ، وهو هنا سلب الملك ، وإخضاع القهر . ومصداق هذا وتفصيله على ما قرّرنا قوله تعالى في أوّل سورة الإسراء { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } [ الإسراء : 4 ] إلى قوله : { وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } [ الإسراء : 7 ] ثمّ قال { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] الآية أي وإن عدتم بعد عقاب المرّة الآخرة إلى الإفساد ، عدنا إلى التعذيب والإذلال ، وقد عادوا فسلّط الله عليهم النصارى فسلبوا ملكهم الذي أقاموه بعد نجاتهم من السبي البابلي ، وقهروهم واستذلوهم ، ثمّ جاء الإسلام فعاداه منهم الذين كانوا هربوا من الذل والنكال ولجؤا إلى بلاد العرب فعاشوا فيها أعزاء آمنين ، ولم يفوا للنبي صلى الله عليه وسلم بما عاهدهم عليه إذ أمنهم على أنفسهم وأموالهم وحرية دينهم ، بل غدروا به وكادوا له ، ونصروا المشركين عليه ، فسلّطه الله عليهم فقاتلهم فنصره عليهم ، فأجلى بعضهم ، وقتل بعضاً ، وأجلى عمر مَنْ بقي منهم ، ثمّ فتح عمر سورية بعضها بالصلح كبيت المقدس ، وبعضها عنوة ، فصار اليهود من سيادة الروم الجائرة القاهرة فيها إلى سلطة الإسلام العادلة ، ولكنّهم ظلوا أذلة بفقد الملك والإستقلال . وقد بيّنا حقيقة حالهم ، وما يحاولونه من إستعادة ملكهم في هذا الزمان في غير هذا الموضع من هذا التفسير ، وفي مواضع من المنار . { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } للأمم التي تفسق عن أمره وتفسد في الأرض فلا يتخلف عقابه عنها كما يتخلف عن بعض الأفراد { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء : 16 ] أي أمرناهم بالحق والعدل ، والرحمة والفضل ، فعصوا وفسقوا عن الأمر ، وأفسدوا وظلموا في الأرض ، فحق عليهم القول ، بمقتضى سنته تعالى في الخلق ، فحل بهم الهلاك على الفور . { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن تاب عقب الذنب ، وأصلح ما كان أفسد في الأرض ، قبل أن يحق عليه القول { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] وهذا كما قال في اليهود بعد ذكر إفسادهم مرّتين { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] وقلما ذكر الله عذاب الفاسقين المفسدين ، إلاّ وقرنه بذكر المغفرة والرحمة للتائبين المحسنين ، حتى لا ييأس صالح مصلح من رحمته بذنب عمله بجهالة ، ولا يأمن مفسد من عقابه إغتراراً بكرمه وعفوه وهو مصرّ على ذنبه ، ثمّ بيّن تعالى كيف كان بدء إذلال اليهود بإزالة وحدتهم ، وتمزيق جامعتهم . فقال { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } أي وفرّقناهم في الأرض حال كونهم أمماً بالتقدير ، أو صيّرناهم أمماً متقطعة ، بعد أن كانوا أمّة متّحدة { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } كالذين نهوا الذين إعتدوا في السبت عن ظلمهم ، والذين كانوا يؤمنون بأنبياء الله تعالى فيهم من بعد موسى إلى عهد عيسى عليهم السلام ، والذين آمنوا بمحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } ومنهم ناس دون وصف الصلاح لم يبلغوه ، وهم درجات أو دركات ، منهم الغلاة في الكفر والفسق ، كالذين كانوا يقتلون النبيين بغير حق ، ومنهم السمّاعون للكذب الأكالون للسحت ، إلى غير ذلك ممّا هو شأن الأمم الفاسدة في كلّ عصر ، تفسد بالتدريج لا دفعة واحدة كما نراه في أمتنا الإسلاميّة . { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي إمتحناهم ، وبلونا سرائرهم وإستعدادهم ، بالنعم التي تحسن ، وتقرّ بها الأعين ، وبالنقم التي تسوء صاحبها ، وربما حسنت بالصبر والإنابة عواقبها ، رجاء أن يرجعوا عن ذنبهم ، وينيبوا إلى ربّهم ، فيعود برحمته وفضله عليهم . { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } أي فخلف من بعد أولئك الذين كان فيهم الصالح والطالح ، والبر والفاجر : خلف سوء وبدل شر ، قيل : إن الخلف بسكون اللام يغلب في الأشرار ، وإنّما يقال في الأخيار خلف بالتحريك كسلف { وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } الذي هو التوراة عنهم ، وقامت الحجّة به عليهم ، فماذا كان شأنهم ؟ الجواب { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى ، أي هذا الحطام الحقير من متاع الدنيا ، والمراد به ما كانوا يأكلونه من السحت والرشى ، والإتجار بالدين والمحاباة في الحكم والفتوى { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } أي سيغفر الله لنا ، ولا يؤاخذنا بما أذنبنا ، فإننا شعبه الخاص ، سلائل أنبيائه ، ونحن أبناؤه وأحباؤه ، وما هذه الأقوال إلاّ أماني ، وغرور وأوهام . قال ابن كثير ، وقال مجاهد : هم النصارى ، وقد يكون أعم من ذلك اهـ وكلّ من القولين ينافيه مقتضى السياق ، فأوائل النصارى كانوا صالحين ، وسابق الكلام ولاحقه في اليهود وحدهم { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } أي يقولون ذلك والحال أنّهم مصرّون على ذنبهم أن يأتهم عرض آخر مثل الذي أخذوه أوّلاً بالباطل يأخذوه لا يتعففون عنه وإنّما وعد الله في كتبه بالمغفرة للتائبين الذين يتركون الذنوب ندماً وخوفاً من الله ورجاء فيه ، ويصلحون ما كانوا أفسدوا ، كما تكرر في القرآن ، ومنه في سياق قصّة موسى مع بني إسرائيل خطاباً لهم من سورة طه { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] . وقد ردَّ الله تعالى عليهم زعمهم بقوله : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } الإستفهام للتقرير ، أي قد أخذ عهد الله وميثاقه في كتابه بأن لا يقولوا عليه غير الحق الذي بينه فيه ، فما بالهم يجزمون بأن الله سيغفر لهم مع إصرارهم على ذنوبهم على خلاف ما في الكتاب { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } أي من تحريم أكل أموال الناس بالباطل والكذب على الله كقولهم إنّه سيغفر لهم وغير ذلك ، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في العمل بكتابه كما في آخر سفر تثنية الإشتراع . { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي والدار الآخرة وما أعدَّه الله فيها للذين يتقون الرذائل والمعاصي خير من الحطام الفاني من عرض الدنيا بالرشوة والسحت وغير ذلك ، أفلا تعقلون ذلك وهو ظاهر جليّ لا يخفى على عقل لم يطمسه الطمع الباطل ، في الحطام العاجل ، فترجّحون الخير على الشر ، والنعيم العظيم الدائم ، على المتاع الحقير الزائل ، وقد علم من الآية أن الطمع في متاع الدنيا هو الذي إستحوذ على بني إسرائيل فأفسد عليهم أمرهم ، ولا يزال هذا التفاني فيه أخص صفاتهم . وقد سرى شيء كثير من هذا الفساد إلى المسلمين ، حتى رجال الدين الذين ورثوا الكتاب الكريم ، والقرآن الحكيم ، ودرسوا ما فيه ، غلب على أكثرهم الطمع في حطام الدنيا القليل ، وعرضها الدنيء ، والغرور بالنسبة إلى الإسلام والتحلّي بلقبه ، والتعلل بأماني المغفرة مع الإصرار على الذنب والإتكال على المكفّرات والشفاعات ، وهم يقرؤن ما في الكتاب من النهي عن الأماني والأوهام ، ومن نوط الجزاء بالأعمال ، والمغفرة بالتوبة والإصلاح ، وكون الشفاعة لا تقع إلاّ بإذن الله لمن رضي عنه كقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 28 ] ولن يرضى الله عن فاسق ولا منافق { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 96 ] بل ما قصّ الله علينا مثل هذه الآيات من أخبار بني إسرائيل إلاّ لنعتبر بأحوالهم ، ونتقي الذنوب التي أخذهم بها ، ولكننا مع هذا كلّه إتبعنا سننهم شبراً بشبر وذراعا بذراع ، إلاّ أننا نحمد الله أن هذا الإتباع فينا غير عام ، وإنّه لا يزال فينا طائفة ظاهرة على الحق يطعن فيها الجماهير الذين صار الإسلام فيهم غريباً ، وقد شرحنا ذلك مراراً بل صرّحت الآيات بالتحذير من اتباع أهل الكتاب في أمانيهم وفي فسقهم كقوله تعالى : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } [ النساء : 123 ] إلخ . وقوله : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 16 ] . قرأ ( تعقلون ) بالتاء نافع وإبن عامر وابن ذكوان وأبو جعفر وسهل ويعقوب وحفص فقيل إن الخطاب به لليهود المحكي عنهم بطريق الإلتفات ، وقيل بل هو خطاب لهذه الأمّة لتعتبر بحالهم ، وتجتنب ما كان سبباً لسوء مآلهم ، من الإصرار على سوء أعمالهم ، وقرأ الآخرون ( يعقلون ) على الأصل في الحكاية عن الغائبين ، ولو صحّ ما قيل من أن هذه الآيات نزلت وحدها في المدينة لصحّ أن يقال إن الخطاب موجّه إلى اليهود المجاورين لها ، لأنهم آخر ذلك الخلف ، الذي نزل فيه هذا الوصف في ذلك الوقت . { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } . قرأ الجمهور يمسكون بتشديد السين من مسك تمسيكاً بمعنى تمسك تمسكاً ، ومثله قدم بمعنى تقدّم ، ومنه { لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ الحجرات : 1 ] وقرأ أبو بكر وحماد يمسكون بالتخفيف من الإمساك - أي والذين يستمسكون بعروة الكتاب الوثقى ويعتصمون بحبله في جميع أحوالهم وأوقاتهم ، وأقاموا الصلاة التي هي عماد الدين في أوقاتها { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } إنّا لا نضيع أجرهم لأنّهم هم المصلحون . والله لا يضيع أجر المصلحين ، فهو خبر قرن بالدليل ، ومثله قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [ الكهف : 30 ] . { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } لعل حكمة ختم قصّة بني إسرائيل بهذه الآية هنا للتذكير ببدء حالهم في إنزال الكتاب عليهم في إثر بيان عاقبة أمرهم في مخالفته والخروج عنه ، فإن في تلك الفاتحة إشارة إلى هذه الخاتمة ، وذلك عندما أخذ عليهم الميثاق ليأخذن بالشريعة بقوّة وعزم فإنه رفع فوقهم الطور وأوقع في قلوبهم الرعب من خوف وقوعه بهم ، فلا غرو إذا آل أمرهم إلى ترك العمل به بعد طول الأمد وقساوة القلوب ، والإنس بالذنوب ، وقد تقدّم في معنى هذه الآية آيتان من سورة البقرة وأشير إليه في سورة النساء . وذكرنا آية الأعراف هذه في سياق تفسير آية البقرة الأولى . والمعنى وأذكر أيّها الرسول النبيّ الأمي إذ نتقنا فوق هؤلاء الجبل جبل الطور أي رفعناه كما عبّر به في الآيات الأخرى وهو المروي عن ابن عباس - أو زلزلناه وهو مرفوع فوقهم مظلل لهم - كما يقال نتق السقاء إذا هزّه ونفضه ليخرج منه الزبدة . قال الجمهور إنّه إقتلعه وجعله فوقهم ( فإن قيل ) لو كان الأمر كذلك لكان ظلة بالفعل لا كالظلة ، فإن الظلة كلّ ما أظلك من فوقك ، ويصدق رفع الجبل فوقهم كالظلة وجودهم في سفحه وإستظلالهم به ( قلنا ) أنّه وإن صحّ هذا التأويل فإنّ رفع الجبل على الوجه الأوّل إنّما كان لإخافتهم لا لإظلالهم وأمّا ظنهم أنّه واقع بهم فإنّما جاء من زلزلته وإضطرابه ، على أن الله تعالى قادر على قلعه وجعله فوقهم وكم رأوا من آياته ما هو أدل على قدرته تعالى من ذلك . { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } وقلنا لهم في تلك الحالة : خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بقوّة عزيمة وعزم على إحتمال مشاقة { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي وأذكروا ما فيه من الأحكام أوامرها ونواهيها ، أو إعملوا به لئلاّ تنسوه - فإن ذلك يعدكم للتقوى ويجعلها مرجوة لكم ، فإن الجدَّ وقوّة العزم في إقامة الدين يهذب النفس ويزكيها ، والتهاون والإغماض فيه يدسّيها ويغويها { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [ الشمس : 9 - 10 ] .