Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 94-98)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } من القرآن { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } يعني مؤمني أهل التوراة . وذلك أن كفار قريش قالوا إن هذا الوحي يلقيه إليه الشيطان . فأنزل الله تعالى { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } فسيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا أسأل أحداً ولا أشك فيه . بل أشهد أنه الحق " ، وقال القتبي فيه تأويلان . أحدهما أن تكون المخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد فيه غيره من الشكاك لأن القرآن أنزل عليه بمذاهب العرب وهم يخاطبون الرجل بشيء ويريدون به غيره كما قالوا " إيَّاك أعني واسمعي يا جارة " وكقوله { يأَيُّهَا ٱلنَّبِىِّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } [ الأحزاب : 1 ] أراد به الأمة يدل عليه قوله تعالى في آخره { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [ النساء : 94 ] . وكقوله { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] . ووجه آخر ، إن الناس كانوا على ثلاث مراتب . منهم من كان مؤمناً ومنهم من كان كافراً ومنهم من كان شاكاً . وإنّما خاطب بهذا الشاك . ثم قال { لَقَدْ جَاءكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } يعني القرآن { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } يعني من الشاكين { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني بالكتاب ( وبالرسالات ) { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني من المغبونين . قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ } يعني وجبت عليهم كلمة ربك بالسخط وقدر عليهم الكفر { لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني لا يصدقون بالقرآن انه من الله تعالى { وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ } يعني : علامة { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلألِيمَ } يعني الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، قرأ نافع وابن عامر " كَلِمَاتُ رَبِّكَ " وقرأ الباقون " كَلِمةُ رَبِّكَ " قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } يقول لم يكن أهل قرية كافرة آمنت عند نزول العذاب { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } وقبل منها الإيمان ودفع عنهم العذاب { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } قال مقاتل : فلولا على ثلاثة أوجه الأول يعني فلم . مثل قوله { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ } . الثاني : فلولا يعني فهلا ، كقوله { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا } [ الأنعام : 43 ] { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } [ الواقعة : 86 ] والثالث : فلولا يعني فلوما . كقوله { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [ النساء : 83 ] { فَلَوْلاَ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [ الصافات : 143 ] . ويقال فلولا ها هنا بمعنى فهلا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها . ومعناه فهلا آمنت في وقت ينفعها إيمانها . فأعلم الله تعالى أن الإيمان لا ينفع عند نزول العذاب ، ثم قال { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } معناه لكن قوم يونس { لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ } يعني إنهم آمنوا قبل المعاينة فكشفنا عنهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } كما نفع قوم يونس ، وعن قتادة إنَّ قوم يونس عليه السلام خرجوا ونزلوا على تل فدعوا الله تعالى أربعين ليلة حتى تاب الله عليهم . وروي عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم : أن يونس بعثه الله تعالى إلى قومه فدعاهم إلى عبادة الله تعالى وترك ما هم فيه من الكفر ، فأبوا فدعا ربه فقال يا رب قد دعوتهم فأبوا فأوحى لله تعالى إليه أن ادعهم فإِن أجابوك وإلا فأعلمهم أن العذاب يأتيهم إلى ثلاثة أيام ، فدعاهم فلم يجيبوه فأخبرهم بالعذاب . فقالوا ما جربنا عليه كذباً مذ كان معنا فإِن لم يلبث معكم وخرج من عندكم فاحتالوا لأنفسكم ، فلما كان بعض الليل خرج يونس من بينهم . فلما كان اليوم الثالث رأوا حمرة وسواداً في السماء كهيئة النار والدخان فظنوا أن العذاب نازل بهم فجعلوا يطلبون يونس عليه السلام فلم يجدوه . فلما كان آخر النهار أيسوا من يونس وجعل يهبط السواد والحمرة . فقال قائل منهم إن لم تجدوا يونس عليه السلام فإِنكم تجدون رب يونس . فادعوه وتضرعوا إليه ، فخرجوا من القرية إلى الصحراء وأخرجوا النساء والصبيان والبهائم وفرقوا بين كل إنسان وولده وبين كل بهيمة وولدها ثم ( عجوا ) إلى الله تعالى مؤمنين مصدقين وارتفعت أصوات الرجال والنساء والصبيان ( وخوار ) البهائم وأولادها واختلطت الأصوات وقربت منهم الحمرة والدخان حتى غشي السواد سطوحهم وبلغهم حر النار ، فلما عرف الله تعالى منهم صدق التوبة رفع عنهم العذاب بعدما كان غشيهم . فذلك قوله تعالى { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } يعني لم يكن أهل قرية { آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } عند نزول العذاب { إلا قوم يونس لما آمنوا } يعني صدقوا بالألسن والقلوب عرف الله تعالى منهم الصدق { كَشَفْنَا عَنْهُمُ } يعني رفعنا وصرفنا { عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } يعني عذاب الهون { وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } يعني إلى منتهى آجالهم . وفي هذه الآية تخويف وتهديد لكفار مكة ولجميع الكفار إلى يوم القيامة أنهم ( إن ) لم يؤمنوا ينزل بهم العذاب فلا ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب .