Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 112-117)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } يقول : وصف الله شبهاً { قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً } يعني : مكة من العدو { مُّطْمَئِنَّةً } من العدو أي : ساكنة مقيمة أهلها بمكة { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا } أي : يحمل إليها طعامها ورزق أهلها { رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ } يعني موسعاً من كل أرض يحمل إليها الثمار وغيرها { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } أي : طغت وبطرت ويقال : كفرت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } أي : عاقبهم الله تعالى سبع سنين ، ومعنى اللباس هنا : سوء الحال واصفرار الوجوه { وَٱلْخَوْفِ } يعني : خوف العدو وخوف سرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } أي : عقوبة لهم وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر . اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فاستجاب الله دعاءه فوقع القحط والجدوبة حتى اضطروا إلى أكل الميتة والكلاب . قال القتبي : أصل الذوق بالفم ، ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختيار فأذاقها الله لباس الجوع والخوف يعني ابتلاهم الله بالجوع والخوف وظهر عليهم من سوء آثارهم وتغير الحال عليهم . قوله : { وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ } أي : محمد - صلى الله عليه وسلم - { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي : الجوع { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } أي : كافرين . ثم إن أهل مكة بعثوا أبا سفيان بن حرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله : ما هذا البلاء هبك عاديت الرجال فما بال الصبيان والنساء . فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحمل إليهم الطعام فحمل إليهم الطعام ولم يقطع عنهم وهم مشركون . فقال الله تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـلاً طَيّباً } أي : من الحرث والأنعام حلالاً طيباً يعني : وهم خزاعة وثقيف { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يعني : إن كنتم تريدون بذلك رضاء الله وعبادته فإن رضاه أن تستحلوا ما أحل الله وتحرموا ما حرم الله . ثم بين المحرمات فقال تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي : ذبح بغير اسم الله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } أي أجهد إلي بشيء مما حرم الله عليه { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } في أكله أي : لا يأكل فوق حاجته ، ويقال : غير مفارق الجماعة ولا عاد عليهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } فيما أكل { رَّحِيمٌ } حين رخص له في أكل الميتة عند الاضطرار . ثم قال : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } أي : لا تقولوا يا أهل مكة فيما أحللت لكم { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ } على الرجال { وَهَـٰذَا حَرَامٌ } على النساء ، ويقال : في الآية تنبيه للقضاة والمفتين كيلا لا يقولوا قولاً بغير حجة وبيان . ثم قال : { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي : بتحريم البحيرة والسائبة { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } أي : لا يفوزون ولا ينجون من العذاب { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } أي : عيشهم في الدنيا قليل { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة .