Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 70-72)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } بعقولهم وقال الضحاك : بالعقل والتمييز ، ويقال : إن الله تعالى خلق نبات الأرض والأشجار وجعل فيها الروح لأنه ينمو ويزداد بنفسه ما دام فيه الروح ، فإذا يبس خرج منه الروح وانقطع نماؤه وزيادته ، وخلق الدواب وجعل لهن زيادة روح تطلب بها رزقها وتسمع بها الصوت ، وخلق بني آدم وجعل لهم زيادة روح يعقلون بها ويميزون ويعلمون ، وخلق الأنبياء وجعل لهم زيادة روح يبصرون بها الملائكة ويأخذون بها الوحي ويعرفون أمر الآخرة . ثم قال : { وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } يعني : في البر على الرطوبة . يعني : الدواب وفي البحر على اليبوسة وهي السفن { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } يعني : الحلالات ، ويقال : من نبات الحبوب والفواكه والعسل وجعل رزق البهائم التبن والشوك { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } يعني : على الجن والشياطين والبهائم . وروي عن ابن عباس أنه قال : فضلوا على الخلائق كلهم غير طائفة من الملائكة وهم جبريل وميكاييل وإسرافيل وأشباههم منهم . وروي عن أبي هريرة أنه قال : المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده . قوله : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } أي : أذكر يوم ندعو كل أناس بكتابهم ، ويقال : بداعيهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالة أو هدى ، يدعى إمامهم قبلهم ، وقال أبو العالية بإمامهم أي : بأعمالهم ، وقال مجاهد : بنبيهم ، وقال الحسن : بكتابهم الذي فيه أعمالهم { فَمَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَءونَ كِتَـٰبَهُمْ } يعني : يقرؤون حسناتهم ويعطون ثواب حسناتهم { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } يعني : لا يمنعون من ثواب أعمالهم مقدار الفتيل وهو ما فتلته من الوسخ بين أصبعيك . ثم قال الله تعالى : { وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } أي : من كان في هذه النعم أعمى ، يعني : لم يعلم أنها من الله { فَهُوَ فِى ٱلأَخِرَةِ أَعْمَىٰ } عن حجته { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } يعني : عن حجته . قال مجاهد : من كان في هذه الدنيا أعمى عن الحجة فهو في الآخرة أعمى عن الحجة وأضل سبيلاً . أي : أخطأ طريقا . وقال قتادة : من كان في هذه الدنيا أعمى عمَّا عاين من نعم الله وخلقه وعجائبه فهو في الآخرة التي هي غائبة عنه ولم يرها أعمى . وقال مقاتل : فيه تقديم ومعناه : { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } ومن كان عن هذه النعم أعمى فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة أعمى . وقال الزجاج : معناه : إذا عمي في الدنيا وقد تبين له الهدى وجعل إليه التوبة فعمي عن رشده فهو في الآخرة لا يجد متاباً ولا مخلصاً مما هو فيه . فهو أشد عمًى وأضلّ سبيلاً . أي : أضل طريقاً . لأنه لا يجد طريقاً إلى الهداية فقد حصل على عمله . وذكر عن الفراء أنه قال : تأويله من كان في هذه النعم التي ذكرتها أعمى لا يعرف حقها ولا يشكر عليها وهي محسوسة فهو في الآخرة أعمى ، يعني : أشد شكاً في الذي هو غائب عنه في الآخرة من الثواب والعقاب .