Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-177)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ } . قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص : ( ليس البر ) بنصب الراء على معنى خبر ليس . وقرأ الباقون : بالرفع على معنى اسم ليس . من قرأ بالرفع فهو الظاهر في العربية لأن ليس يرفع الاسم الذي بعده بمنزلة كان وأما من قرأ بالنصب فإنه يجعل الاسم ما بعده ويجعل ( البر ) خبره . وتفسير الآية : قال مقاتل : في قوله { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ } أي ليس البر أن تحولوا وجوهكم في الصلاة { قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } لا تعملوا غير ذلك { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ } يعني صدق بالله بأنه واحد لا شريك له . قرأ نافع وابن عامر ( ولكن البر ) بكسر النون وضم الراء … وقرأ الباقون : ( ولكن البر ) بنصب النون مشددة وبنصب الراء . ويقال : معناه ليس البر كله في الصلاة ولكن البر ما ذكر في هذه الآية من العبادات . ثم اختلفوا في معنى قوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ } قال بعضهم معناه ولكن ذو البر من آمن بالله . وقال بعضهم : معناه ولكن البر بر من آمن بالله وكلا المعنيين ذكرها الزجاج في كتابه . وقال بعضهم ليس البار من يولي وجهه إلى المشرق والمغرب ولكن البار من آمن بالله { وَالْيَوْمِ الآخِرِ } . ثم ذكر في هذه الآية خمسة أشياء من الإيمان فمن لم يقر بواحدة منها فقد كفر . أحدها : الإيمان بالله تعالى أنه واحد لا شريك له والتصديق باليوم الآخر وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وأنه كائن وأن أهل الثواب يصلون إلى الثواب وأهل العقاب يصلون إلى العقاب ( والتصديق ) بالكتاب أنه منزل من الله تعالى القرآن وسائر الكتب : التوراة والإنجيل والزبور ويقر بالملائكة أنهم عبيده ويقر بالنبيين أنهم رسله وأنبياؤه فهذه الخمس من الإيمان فمن جحد واحدة منها فقد كفر . ثم ذكر الفضائل فقال تعالى { وَءَاتَىٰ ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } يعني يعطي المال على شهوته وجوعه وهو شحيح يخشى الفقر ، ويأمل العيش . ويقال : على حبه الإعطاء بطيبة من نفسه يعطي { ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } يعني الضيف النازل { وَٱلسَّائِلِينَ } الذين يسألون الناس { وَفِي ٱلرّقَابِ } يعني المكاتبين . وقد قيل : ( ابن السبيل ) هو المنقطع من ماله . ثم ذكر الفرائض فقال تعالى { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ } المكتوبة { وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } المفروضة { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـٰهَدُواْ } فيما عاهدوا فيما بينهم وبين الله تعالى وفيما بينهم وبين الناس { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَاء وٱلضَّرَّاء وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } أي بالبأساء وهي شدة الفقر [ البأس ] قال القتبي : يعني الفقر وهو من البؤس والضراء المرض والزمانة { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } يعني يصبرون عند الحرب . وقال القتبي : البأس : الشدة ومنه يقال : لا بأس عليك يعني لا شدة عليك فلهذا سمي [ الحرب البأس ] لأن فيه شدة . ثم قال تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا } [ يعني صدقوا ] في إيمانهم { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } عن نقض العهد . فإن قيل : أيش معنى قوله : { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَاء وٱلضَّرَّاء } وموضعه موضع رفع ولم يقل : ( والصابرون ) قيل له : قد قال بعض من تعسف في كلامه : إن هذا غلط الكاتب حين كتبوا مصحف الإمام والدليل على ذلك ما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه نظر في المصحف وقال : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها وهكذا قال في سورة النساء : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَـٰوةَ } [ النساء : 162 ] وفي سورة المائدة { وَٱلصَّـٰبِئُونَ } [ المائدة : 69 ] . لكن الجواب عند أهل العلم أن يقال : إنما صار نصباً للمدح والكلام يصير نصباً للمدح أو للذم ألا ترى إلى قول القائل : @ نحن بني ضبة أصحاب الجمل . @@ وإنما جعله نصباً للمدح وروي عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البر فنزلت هذه الآية : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ } الآية وقال الضحاك { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا } يعني صدقت نياتهم فاستقامت قلوبهم بأعمالهم . { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } يعني المطيعون لله تعالى .