Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 1-2)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الفقيه : حدثني أبي رحمه الله ، قال : حدثني محمد بن حامد ، قال : حدثنا علي بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن مروان عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى : { الۤمۤ } يعني : أنا الله أعلم . [ ومعنى قول ابن عباس ( أنا الله أعلم ) يعني ] الألف : أنا ، واللام : الله ، والميم : أعلم ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، والعرب قد كانت تذكر حرفاً وتريد به تمام الكلمة . ألا ترى إلى قول القائل : @ قلت لها قفي لنا قالت قاف لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف @@ يعني بالقاف : قد وقفت . وقال الكلبي : هذا قسم ، أقسم الله تعالى بالقرآن ، أن هذا الكتاب الذي أنزل على ( قلب ) محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الذي نزل من عند الله تعالى لا ريب فيه . وقال بعض أهل اللغة إن هذا الذي قال الكلبي لا يصح ، لأن جواب القسم معقود على حروف مثل : ( ان ، وقد ، ولقد ، وما ، واللام ) وهنا لم نجد حرفاً من هذه الحروف فلا يجوز أن يكون يمينا . ولكن الجواب أن يقال : موضع القسم قوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ } فلو أن إنساناً حلف فقال : والله هذا الكتاب لا ريب فيه لكان الكلام سديداً وتكون لا جوابا للقسم ، فثبت أن قول الكلبي صحيح سديد . فإن قيل : ايش الحكمة في القسم من الله تعالى ، وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين ، مصدق ومكذب ، فالمصدق يصدق بغير قسم ، والمكذب لا يصدق مع القسم . قيل له القرآن نزل بلغة العرب ، والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه فالله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده . وقد قيل { الۤمۤ } : الألف الله تعالى ، واللام : جبريل ، والميم : محمد - صلى الله عليه وسلم - ويكون معناه : الله الذي أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن لا ريب فيه . وقال بعضهم : كل حرف هو افتتاح اسم من أسماء الله تعالى . فالألف مفتاح اسمه : الله ، واللام مفتاح اسمه : اللطيف ، والميم مفتاح اسمه : مجيد ، ويكون معناه : الله اللطيف المجيد أنزل الكتاب . وروي عن محمد بن كعب بن علي الترمذي أنه قال : إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة ، ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي ، ثم بين ذلك في جميع السور ليفقه الناس . وروي عن الشعبي أنه قال : إن لله تعالى سراً جعله في كتبه ، وإن سره في القرآن هو الحروف المقطعة وروي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر وعن علي رضي الله عنه : هو اسم من أسماء الله تعالى ، فرقت حروفه في السور . يعني أن ها هنا قد ذكر { الۤمۤ } وذكر : { الۤر } في موضع آخر وذكرٍ : { حـمۤ } في موضع آخر ( نون ) في موضع . فإذا جمعت يكون ( الرحمن ) وكذلك سائر الحروف إذا جمع يصير اسماً من أسماء الله . وذكر قطرب أن المشركين كانوا لا يستمعون القرآن كما قال الله تعالى { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] فأراد أن يسمعهم شيئاً لم يكونوا سمعوه ليحملهم ذلك إلى الاستماع حتى تلزمهم الحجة وقال بعضهم : إن المشركين كانوا يقولون : لا نفقه هذا القرآن ، لأنهم قالوا : { قُلُوبُنَا فِىۤ أَكِنَّةٍ } [ فصلت : 5 ] فأراد الله أن يبين لهم أن القرآن مركب على الحروف التي ركبت [ عليها ] ألسنتكم [ يعني هو على لغتكم ] ، ما لكم لا تفقهون ؟ وإنما أراد بذكر الحروف تمام الحروف ، كما أن الرجل يقول : علمت ولدي : أ ، ب ، ت ، ث ، وإنما يريد جميع الحروف ولم يرد به الحروف الأربعة خاصة . وقال بعضهم : هو من شعار السور وكان اليهود أعداء الله فسروه على حروف الجمل ، لأنه ذكر " أن جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، وأبو ياسر بن أخطب ، وشعبة بن عمرو ومالك بن الصيف دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : بلغنا أنك قرأت : { الۤمۤ ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } فإن كنت صادقا ، فيكون بقاء أمتك إحدى وسبعين سنة ، لأن الألف : واحد ، واللام : ثلاثون ، والميم : أربعون ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قالوا له : وهل غير هذا ؟ قال : نعم . { الۤمۤصۤ } فقالوا : هذا أكثر لأن ( ص ) تسعون . فقالوا : هل غير هذا ؟ قال : نعم . { الۤر } فقالوا : هذا أكثر ، لأن ( الراء ) : مائتان . ثم ذكر { الۤمۤر } فقالوا : خلطت علينا [ يا محمد ] لا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير ؟ " وإنما أدركوا من القرآن مقدار عقولهم وكل إنسان يدرك العلم بمقدار عقله . وكل ما ذكر في القرآن من الحروف المقطعة ، فتفسيره نحو ما ذكرنا ها هنا [ والله أعلم بالصواب ] . قوله عز وجل : { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } أي هذا الكتاب { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك فيه أنه مني ، لم يختلقه محمد من تلقاء نفسه . وقد يوضع ذلك بمعنى هذا ، كما قال القائل : @ أقول له والرمح يأْطِرُ مَتْنَهُ تأمل خفافاً أنني أنا ذلكا @@ يعني هذا . وقال بعضهم : معناه ذلك الكتاب الذي [ كنت وعدتك يوم الميثاق أن أوحيه إليك ، وقال بعضهم : معناه ذلك الكتاب الذي ] وعدت في التوارة والإنجيل أن أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وروي عن زيد بن أسلم أنه قال : أراد بالكتاب اللوح المحفوظ ، يعني الكتاب ثبت في اللوح المحفوظ . وقوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك فيه أنه من الله تعالى ولم يختلقه محمد من تلقاء نفسه . فإن قيل : كيف يجوز أن يقال : لا شك فيه ؟ وقد شك فيه كثير من الناس وهم الكفار والمنافقون ؟ قيل له : معناه لا شك فيه عند المؤمنين وعند العقلاء . وقيل : معناه لا شك فيه أي لا ينبغي أن يشك فيه ، لأن القرآن معجز فلا ينبغي أن يشك فيه أنه من الله تعالى . قوله عز وجل : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي بيانا لهم من الضلالة { لِّلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الشرك والكبائر والفواحش . فهذا القرآن بيان لهم من الضلالة وبيان لهم من الشبهات ، وبيان الحلال من الحرام . فإن قيل : فيه بيان لجميع الناس . فكيف أضاف إلى المتقين خاصة ؟ قيل له : لأن المتقين هم الذين ينتفعون بالبيان ، ويعملون به ، فإذا كانوا هم الذين ينتفعون [ بالبيان ] ، صار في [ الحقيقة حاصل ] البيان لهم . روي عن أبي روق أنه قال : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي كرامة لهم . يعني إنما أضاف إليهم إجلالاً وكرامة لهم ، وبياناً لفضلهم .