Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } إنما خاطبهم وأراد به آباءهم وهم قوم موسى عليه السلام ، حيث أمروا بأن يدخلوا مدينة الجبارين فأبوا ذلك وقالوا لموسى : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] فعاقبهم الله عز وجل فبقوا في التيه أربعين سنة ، وكانت المفازة اثني عشر فرسخاً ، وكان يؤذيهم حر الشمس فظلل عليهم الغمام فذلك قوله تعالى : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } وهو السحاب الأبيض ، يقيكم حر الشمس في التيه ، وكان لهم في التيه عمود من نور مد لهم من السماء فيسير معهم من الليل مكان القمر فأصابهم الجوع فسألوا موسى فدعا الله فأنزل عليهم المن وهو ( الترنجيين ) كان يتساقط عليهم كل غداة فيأخذ كل إنسان منهم ما يكفيه يومه وليلته ، فإن أخذ أكثر من ذلك دود ذلك الزائد وفسد وإذا كان يوم الجمعة أخذ كل إنسان منهم مقدار ما يكفيه يومين لأنه لا يأتيهم يوم السبت ، وكان ذلك مثل الشهد المعجون بالسمن فأجموا من المن ، أي ملوا من أكله . فقالوا لموسى عليه السلام : قتلنا هذا المن بحلاوته وأحرق بطوننا فادع لنا ربك أن يطعمنا لحماً . فدعا لهم موسى عليه السلام فبعث الله لهم طيراً كثيراً فذلك قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } وهو السماني وهو طير يضرب إلى الحمرة . وقال بعضهم : كان طيراً يأتيهم مشوياً . قال عامة المفسرين إنهم كانوا يأخذونها ويذبحونها . { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ } أي قيل لهم كلوا من طيبات ، وهذا من المضمرات ، وفي كلام العرب يضمر الشيء إذا كان يستغنى عن إظهاره ، كما قال في آية أخرى { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } [ آل عمران : 106 ] يعني يقال لهم أكفرتم . وكما قال في آية أخرى : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ } [ الزمر : 3 ] يعني قالوا : ما نعبدهم ومثل هذا في القرآن كثير . وكذلك قوله ها هنا { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي من حلالات { مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي أعطيناكم من المن والسلوى ولا ترفعوا منها شيئاً كما قال في آية أخرى { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } [ طه : 81 ] أي ولا تعصوا فيه فلا ترفعوا إلى الغد فرفعوا وجعلوا اللحم قديداً مخافة أن ينفد فرجع ذلك عنهم ولو لم يرفعوا لدام ذلك عليهم . قوله تعالى : { وَمَا ظَلَمُونَا } يقول وما أضرونا { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي أضروا بأنفسهم حيث رفعوا [ إلى الغد حتى ] منع ذلك عنهم . وروى خلاس عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ، ولم ( ينتن ) اللحم ، ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها " .