Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-71)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } قال ابن عباس : وذلك أن بني إسرائيل قيل لهم في التوراة : أيما قتيل وجد بين قريتين لا يدرى قاتله فليقس إلى أيتهما أقرب ، فعمد رجلان أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عم لهما واسمه عاميل فقتلاه لكي يرثاه وكانت ابنة عم لهما شابة جميلة حسناء فخشيا أن ينكحها ابن عمها عاميل ، ثم حملاه إلى جانب قرية ، فأصبح أهل القرية والقتيل بين أظهرهم ، فأخذ أهل القرية بالقتيل وجاءوا به إلى موسى . وروى ابن سيرين عن عبيدة السلماني أن رجلاً كان له قرابة فقتله ليرثه ثم ألقاه على باب رجل ، ثم جاء يطلب بدمه ، فهموا أن يقتتلوا ولبس الفريقان السلاح ، فقال رجل : أتقتتلون وفيكم نبي الله ؟ فجاءوا إلى موسى - عليه الصلاة والسلام - فأخبروه بذلك ، فدعا الله تعالى في ذلك أن يبين لهم المخرج من ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه ، فأخبرهم بذلك وقال : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها ، يعني بعض أعضاء تلك البقرة فيحيا ، فيخبركم من قتله { قَالُواْ } يا موسى { أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً } قرأ عاصم في رواية حفص برفع الزاي بغير همز ، وقرأ حمزة بسكون الزاي مع الهمزة ، وقرأ الباقون بالهمز ورفع الزاي . ومعناه . أتتخذنا سخرية يعني أتسخر بنا يا موسى ؟ فإن قيل : ألم يكن هذا القول منهم كفراً ، حيث نسبوه إلى السخرية . قلنا الجواب أن يقال قد ظهر عندهم علامات نبوته وعلموا أن قوله حق ولكنهم أرادوا بهذا الكشف والبيان ولم يريدوا به الحقيقة . فـ { قَالَ } لهم موسى { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } يعني أمتنع بالله . ويقال : معاذ الله أن أكون من المستهزئين . قال ابن عباس في رواية أبي صالح : فلو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا على أنفسهم بالمسألة فشدد الله عليهم بالمنع لما { قَالُواْ } . يا موسى { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } أي سل لنا ربك أن { يُبَيّن لَّنَا مَا هِىَ } أي يبين لنا كيفية البقرة ، إنها صغيرة أو كبيرة { قَالَ } لهم موسى { إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } يعني لا كبيرة هرمة ، ولا صغيرة { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } وسطا ونصفا بين ذلك يعني بين الصغيرة والكبيرة . وقد قيل في المثل ( العوان لا تعلم الخَمْرة ) يعني أن المرأة البالغة ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر . وقوله تعالى : { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ } ولا تسألوا فسألوا وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم . { قَالُواْ } يا موسى { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } أي سل لنا ربك { يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } قال لهم موسى { إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } يعني شديد الصفرة كما يقال : أصفر فاقع إذا كان شديد الصفرة كما يقال : أسود حالك ، وأبيض يقق ، وأحمر قاني ، وأخضر ناصع إذا وصف بالشدة . وقال بعضهم : أراد به بقرة صفراء الظلف والقرن أي شعرها وظلفها وقرنها وكل شيء منها أصفر ويقال : أراد به البقرة السوداء ، لأن السواد الشديد يضرب إلى الصفرة كما قال تعالى { كَٱلْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } [ المرسلات : 33 ] وكما قال القائل : @ تلك خيلي منه ، وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب @@ أراد بالصفر السود . ولكن هذا خلاف أقاويل المفسرين ، وكلهم اتفقوا أن المراد به صفراء اللون إلا قولا روي عن الحسن البصري . قوله عز وجل : { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } يعني تعجب من نظر إليها لحسن لونها فشددوا على أنفسهم و { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ } يعني إنها من العوامل أو من غيرها { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } أي تشاكل علينا في أسنانها وألوانها { وَإِنَّا إِن شَاء ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } يعني نهتدي للقاتل . ويقال : نهتدي إلى البقرة أي ندركها بمشيئة الله تعالى . وروي عن ابن عباس أنه قال : لولا أنهم استثنوا لم يدركوها . وروي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لو أن بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم ، ولولا أنهم قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون ما وجدوها " { قَالَ إِنَّهُ } لهم موسى أن ربكم { يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ ذَلُولٌ } يقول لم يذللها العمل . وقال أهل اللغة : الذلول في الدواب مثل الذليل في الناس ، يقال : رجل ذليل ، ودابة ذليلة بينة الذل . { تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } أي تقلبها للزراعة . ويقال للبقرة : المثيرة { وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } يعني لا يسقى عليها الحرث ، أي لا يستسقى عليها الماء لتسقي الزرع ومعناه أن هذه البقرة لم تكن تعمل شيئاً من هذه الأعمال . { مُّسَلَّمَةٌ } يقال : مهذبة سليمة من العيوب . ويقال : مسلمة من الألوان { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } قال بعضهم لا عيب فيها - وقال بعضهم : لا وضح فيها ولا بياض ولا سواد ولا لون سوى لون الصفرة وقال أهل اللغة : أصله من وشى الثوب ، وأصله في اللغة لا وشية فيها ولكن حذفت منها الواو للخفة مثل عدة وزنة . فلما وصف لهم موسى ذلك { قَالُواْ : ٱلئَـٰنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } يعني الآن أتممت الصفة . ويقال : الآن جئت بالصفة التي كنا نطلب { فَذَبَحُوهَا } يعني البقرة { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } أي كادوا أن لا يذبحوها . وقد قيل : إنما أرادوا أن لا يذبحوها ، لأن كل واحد منهم خشي أن يظهر القاتل من قبيلته . وقال بعضهم : وما كادوا يفعلون لغلاء ثمن البقرة لأنهم كانوا لا يدركون بقرة بتلك الصفة . وروي عن وهب بن منبه أنه قال : لم توجد تلك البقرة إلا عند فتى من بني إسرائيل ، كان باراً بوالديه وكان يصلي ثلث الليل ، وينام ثلث الليل ، ويجلس ثلث الليل عند رأس أمه ويقول لها : إن لم تقدري على القيام فسبحي الله وهللي ، وكان ورث عن أبيه بقرة فلم يجد أهل تلك القرية على تلك الصفة إلا هذه البقرة ، فاشتروها بملىء مسكها دنانير . وقال بعضهم : كان رجل يبيع الجوهر ، فجاءه إبليس يوماً بجراب من لؤلؤ فعرض عليه . وأراد أن يبيع منه بمائة ألف ، وكان ذلك يساوي مائتي ألف ، فلما أراد أن يشتري فإذا مفتاح الصندوق كان تحت رأس أبيه وهو نائم فذهب ليوقظه ويرفع المفتاح ويدفع الثمن ، ثم قال في نفسه : كيف أوقظ أبي لأجل ربح مائة ألف ولم يحتمل قلبه فرجع ، فقال : إن أبي نائم فقال له إبليس : إذهب فأيقظه فإني أبيع منك بخمسين ألفاً ، فذهب ليوقظه فلم يحتمل قلبه فرجع فلا زال إبليس يحط من الثمن حتى بلغ عشرة دراهم فلم يوقظ أباه وترك الشراء ذلك . فجعل الله في ماله البركة حتى اشتروا بقرته بملىء مسكها ذهباً .