Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-154)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وذلك أنهم لما أخذوا في الحرب انهزم المشركون فلما أَخَذ بعض المسلمين في النهب والغارة رجع الأمر عليهم ، وانهزم المسلمون ، فذلك قوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } . { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يقول : تقتلونهم بأمره . وقال القتبي : تحسونهم : يعني تستأصلونهم بالقتل ، يقال : جراد محسوس إذا قتله البرد { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِي ٱلأمْرِ } يعني ، جَبُنْتُمْ من عدوكم واختلفتم في الأمر { وَعَصَيْتُمْ } أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - { مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ } يعني أراكم الله [ { مَّا تُحِبُّونَ } يعني ] من النصر على عدوكم وهزيمة الكفار والغنيمة . [ ثم قال ] : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } أي يطلب الغنيمة { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } وهم الذين ثبتوا عند المشركين [ حتى قتلوا ] . وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : كنا لا نعرف أن أحداً منا يريد الدنيا حتى نزلت " هذه الآية ، فَعَلِمْنا أن فينا من يريد الدنيا " . { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } بالهزيمة من بعد أن أَظْفَركم عليهم { لِيَبْتَلِيَكُمْ } بمعصية [ الرسول ] بالقتل والهزيمة . { وَلَقَدْ عَفَا } الله { عَنْكُمْ } ولم يعاقبكم عند ذلك فلم تقتلوا جميعاً { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ } في [ عفوه ] وإنعامه { عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ بالعفو والإنعام ] : { إِذْ تُصْعِدُونَ } يعني إلى الجبل هاربين حيث صعدوا الجبل منهزمين من العدو ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم " يا معشر المسلمين ، أنا رسول الله " ، فلم يلتفت إليه أحد ، حتى أتوا على الجبل [ فذلك قوله تعالى : { إِذْ تُصْعِدُونَ } يعني الجبل ] وهذا قول الكلبي . وقال الضحاك : إذ تصعدون في الوادي منهزمين . وقال القتبي : يعني تبعدون في الهزيمة ، يقال : أصعد في الأرض إذا ( أمعن ) في الهزيمة . وقرأ الحسن : " تَصْعَدُون " بنصب التاء ، أي تَصْعَدُون الجبل وقرأ العامة بالضم . { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } يقول ولا تقيمون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال : لا يقيم بعضكم على بعض { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } يقول : مِنْ خَلْفِكم : { فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ } يقول : جعل ثوابكم غماً على أثر الغم ويقال : جزاكم غماً على أثر الغم ، ويقال : غماً متصلاً بالغم فأما الغم الأول : فإشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين ، وهم في ذلك الجبل ، قاله الكلبي : وقال مقاتل : الغم الأول ما فاتهم من الفتح والغنيمة فاجتمعوا ، وكانوا يذكرون فيما بينهم ما أصابهم في ذلك اليوم ، والغم الثاني : إذ صعد " خالد بن الوليد " فلما عاينوه ، أَذْعَرهُم ذلك أي خوفهم فأنساهم ما كانوا فيه من الحزن فذلك قوله تعالى : { لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من الفتح والغنيمة { وَلاَ مَا أَصَـٰبَكُمْ } من القتل والهزيمة . ويقال : الغم الأول : الجُرح والقتل ، والغم الثاني : أنهم سمعوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قتل ، فأنساهم الغم الأول . قال : { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يعني لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم بها . { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً } الأمنة في اللغة الأمن ، قال الكلبي : إذا أَمِنَ القوم نعسوا . وقال الضحاك : النعاس عند القتال أَمَنَةٌ من الله تعالى ، ويقال : الذي يصيبه الغم والهزيمة : لا يكون له شيء أحسن من النعاس فيذهب عنه همه ، فأصاب القومَ النعاسُ فذهب عنهم الغم وأمنوا . قوله تعالى : { يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنْكُمْ } يعني النعاسَ يغشى ويعلو طائفة منكم من كان من أهل الصدق واليقين قرأ حمزة والكسائي " تغشى " بالتاء ، وقرأ الباقون بالياء ، فمن قرأ بالتاء انصرف إلى قوله " أمنة " ومن قرأ بالياء يكون نعتاً للنعاس . ثم قال : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني أهل النفاق ، وقال الكلبي : هو " معتب بن قُشَيْر " وأصحابه ، { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } يعني أنهم يظنون أن لن ينصر الله محمداً وأصحابه { ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } ، قال الكلبي : يعني كظنهم في الجاهلية . وقال مقاتل : " ظن الجاهلية " كظن الجهال المشركين مثل أبي سفيان وأصحابه . { يَقُولُونَ : هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } يعني : النصرة والفتح { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } يعني النصرة والغنيمة كله من الله { يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم } أي يُسِرُّون في أنفسهم { مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } أي يقولون ما لا يظهرون لك { يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٍ مَّا قُتِلْنَا } أي يقولون : لو كان ديننا حقاً ما قتلنا { هَا هُنَا } قال الكلبي : وفي الآية تقديم وتأخير ومعناه يقولون : هل لنا من الأمر من شيء يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل : إن الأمر كله لله . [ وقال الضحاك : { قُلْ : إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ } ] يعني القدر خيره وشره من الله . قرأ أبو عمرو : " قل : إِنَّ الأَمْرَ كُلّه لله " بضم اللام ، والباقون بالنصب فمن ( قرأ بالرفع ) جعله اسماً مستأنفاً ومن نصب جعله نعتاً للأمر . ثم قال تعالى : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ } يقول : لظهر ويقال : لخرج الذين { كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } أي قُضِيَ عَلَيهم القتل { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } أي إلى مواضع مصارعهم ، معناه أنهم وإن لم يخرجوا إلى ( العدو ) ، وقد قضى الله عليهم بالقتل لخرجوا إلى مواضع قتلهم لا محالة ، حتى ينفذ فيهم القضاء . قال تعالى : { وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } يعني ليختبر ويظهر ما في قلوبكم { وَلِيُمَحِّصَ } يعني ليظهر ويكفر { مَا فِي قُلُوبِكُمْ } من الذنوب { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعني : بما في القلوب من الخير والشر .