Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 155-159)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم نزل في المنهزمين قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ } أي الذين انهزموا منكم { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } يعني جمع المسلمين وجمع المشركين { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } قال القتبي : " استزلهم " أي طلب زلتهم ، كما يقال : استعجلت فلاناً ، أي طلبت عجلته ، واستعملته ، أي طلبت عمله . ويقال : زَيَّن لهم الشيطان { بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } يعني : الذي أصابهم كان بأعمالهم ، كما قال في آية أخرى : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] . { وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } حيث لم يستأصلهم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لذنوبهم { حَلِيمٌ } إذ لم ( يعجل عليهم بالعقوبة ) . قال : حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : حدثنا السراج ، قال : حدثنا قتيبة ، قال : حدثنا أبو بكر " عن غيلان بن جرير ، أن عثمان كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف كلام ، فقال له عبد الرحمن : أتسبُّني وقد شهدت بدراً ، ولم تشهدها ، وبايعتُ تحت الشجرة ولم تُبَايع ، وقد كنت توليت فيمن تولى يوم الجمع ، أي يوم أحد فرد عليه عثمان وقال : أما قولك : إنك شهدت بدراً ولم أشهدها ، فإني لم أغب عن شيء شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت [ مريضة ] فكنت معها أُمرِّضها وضرب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهم في سهام المسلمين ، وأما بيعة الشجرة ، فبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداً على المشركين بمكة ، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه على شماله قال : " هذه لعثمان " فيمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خير من يميني وشمالي . وأما يوم الجمع فقال الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ، إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } فكنت فيمن عفى الله عنهم ، فخصم " عثمان " " عبد الرحمن بن عوف " ، ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : منافقي أهل الكتاب ، { وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } من المنافقين { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني : إذا ساروا في الأرض تجاراً مسافرين فماتوا في سفرهم { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } يعني خرجوا في الغزو فقتلوا . قال القتبي : غزّاً جمع غاز ، مثل صائم وصُوَّم ، ونائم ونوم { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } بالمدينة { مَا مَاتُواْ } في سفرهم { وَمَا قُتِلُواْ } في الغزو { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } الظن { حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } ، ويقال : جعل الله ذلك القول حسرة في قلوبهم لأنه ظهر نفاقهم ، وقال الضحاك : ليجعل الله ذلك حسرة في قلوب المنافقين ، لأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في أشجار الجنان حيث شاءت ، وأرواح قتلى المنافقين في حواصل طير سُودٍ تسرح في الجحيم ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي يحيي في السفر ويميت في الحضر ، ويحيي في الحضر ويميت في السفر ، ويقال : والله يحيي قلوب المؤمنين ، ويميت قلوب الكافرين ، يحيي قلوب المؤمنين بالنصرة والخروج إلى الغزو ، ويميت قلوب المنافقين بالتخلف ( وظن السوء ) وقال الضحاك : يعني يحيى من أحيى من نطفة بقدرته ، ويميت من أمات بعزته ، وسلطانه . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قرأ عبد الله بن كثير وحمزة والكسائي " يعملون " بالياء على معنى المغايبة ، وقرأ الباقون بالتاء ، ومعناه : قل لهم : والله بما تعملون بصير . { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ } يعني إن متم في إقامتكم ، أو قتلتم في سبيل الله وأنتُم مُؤْمنون ، { لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ } لذنوبكم { وَرَحْمَةً } يعني [ ونعمة ] وجنة { خَيْرٌ مّمَّا تَجْمَعُونَ } [ في الدنيا من الأموال ] يا معشر المنافقين [ قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم " متم " بضم الميم في جميع القرآن ، والباقون بكسرها وهما لغتان ومعناهما واحد ثم قال ] { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } في الغزو { لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } بعد الموت . قرأ عاصم في رواية حفص " خير مما يَجْمَعون " بالياء ، وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة . { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } يقول : فبرحمة من الله و " ما " صلة ، فالله : ذكر منه أن جعل رسوله رحيماً رؤوفاً بالمؤمنين حيث قال فبرحمة من الله { لِنتَ لَهُمْ } يا محمد أني لينت لهم جانبك ، وكنت رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } أي خشنا في القول غليظ القول { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } أي لتفرقوا من عندك ، ولكن الله جعلك سهلاً سَمْحاً طلقاً ليناً لطيفاً باراً رحيماً وهكذا ، قال [ الضحاك : ثم قال ] : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } أي فتجاوز عنهم ولا تعاقبهم بما يكون منهم من الزلة والذنب ، { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ } من ذلك الذنب { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } ، يقول : إذا أردت أن تعمل عملاً فاعمل بتدبيرهم ومشاورتهم ويقال : ناظرهم في الأمر ، ويقال : ناظرهم عند القتال ، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ : وشاوِرْهُم في بَعْضِ الأمر ، لأنه كان يشاورهم فيما لم ينزل عليه الوحي فيه ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقلاً ذا رأي ، ولكنه أمر بالمشورة ليَقْتَدي به غيره ، ولأن في المشاورة تودُّداً لأصحابه لأنه إذا شَاوَرهم تَوَدَّد قلوبهم ، وفي المشورة أيضاً ترك الملامة لأنه يقال : فعلت كذا بمشاورتكم ، وروى سهل بن سعيد الساعدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما شقي عبد قط بمشورة ، وما سعد عبد باستغناء رأي " ثم قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي لا تتوكل على المشورة ، ولكن توكل على الله بعد المشورة ، لا على الأصحاب { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ } " الذين يتوكلون على الله " .