Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 21-26)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال عز وجل : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ } يعني خبر الخصم ويقال خبر الخصوم ، أي وهل أتاك يا محمد ما أتاك ، حين أتاك ، ويقال وقد أتاك { إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } والتسور : أن يصعد في مكان مرتفع ، وإنما سمي المحراب سوراً لارتفاعه من الأرض ، ويقال تسوروا : يعني دخلوا عليه من فوق الجدار ، وقال الحسن البصري : وذلك أن داود عليه السلام جزأ الدهر أربعة أيام ، فيوماً لنسائه ، ويوماً لقضائه ويوماً يخلو فيه لعبادة ربه ، ويوماً لبني إسرائيل ليسألونه ، فقال يوماً لبني إسرائيل أيكم يستطيع أن يتفرغ لعبادة ربه يوماً لا يصيب الشيطان منه شيئاً ؟ فقالوا : يا نبي الله ، إننا والله لا نستطيع ، فحدث داود نفسه أنه يستطيع ذلك ، فدخل محرابه وأغلق بابه فقام يصلي في المحراب ، فجاء طائر في أحسن صورة مزين كأحسن ما يكون ، فوقع قريباً منه ، فنظر إليه فأعجبه ، فوقع في نفسه منه ، فدنا منه ليأخذه ، فوقع قريباً منه وأطمعه أن سيأخذه ، ففعل ذلك ثلاث مرات ، حتى إذا كان في الرابعة ضرب يده عليه فأخطأه ووقع على سور المحراب ، قال وخلف المحراب حوض تغتسل فيه النساء ، فضرب يده عليه ، وهو على سور المحراب فأخطأه ، وهرب الطائر ، فأشرف داود ، فإذا بامرأة تغتسل فلما رأته نقضت شعرها ، فغطى جسدها ، فوقع في نفسه منها ما يشغله عن صلاته ، فنزل من محرابه ، ولبست المرأة ثيابها ، وخرجت إلى بيتها ، فخرج حتى عرف بيتها ، وسألها من أنت ؟ فأخبرته فقال : هل لك زوج ؟ قالت نعم ، قال أين هو ؟ فقالت في بعث كذا وكذا ، وجند كذا وكذا ، فرجع وكتب إلى عامله إذا جاءك كتابي هذا فاجعل فلاناً في أول الخيل ، فقدم في فوارس فقاتل فقتل ، ثم انتظر حتى انقضت عدتها ، فخطبها وتزوجها ، فبينما هو في المحراب ، إذ تسور عليه ملكان ، وكان الباب مغلقاً ، ففزع منهما ، فقالا : لا تخف { خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ } يعني اقض بيننا بالعدل ، ثم خاصم أحدهما الآخر فقال : { إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } إلى آخره فعلم داود عليه السلام أنه مراد بذلك ( فخر راكعاً وأناب ) قال الحسن سجد أربعين ليلة ، لا يرفع رأسه إلا للصلاة المكتوبة ، قال ولم يذق طعاماً ولا شراباً حتى أوحى الله عز وجل إليه أن ارفع رأسك فإني قد غفرت لك ، وهكذا ذكر في رواية الكلبي عن ابن عباس أنه سجد أربعين يوماً حتى سقط جلد وجهه ونبت العشب من دموعه ، فقال يا رب : كيف ترحمني وأنا أعلم أنك منتقم مني بخطيئتي وذكر أن جبريل عليه السلام قال له اذهب إلى أوريا فاستحل منه فإنك تسمع صوته في يوم كذا ، فأتاه ذات ليلة ، فناداه ، فأجابه ، فاستحل منه فقال : أنت في حل ، فلما رجع قال له جبريل هل أخبرته بجرمك ؟ قال لا ، قال : فإنك لم تفعل شيئاً ؟ قال فارجع فأخبره بالذي صنعت ، فرجع داود فأخبره بذلك ، فقال أنا خصمك يوم القيامة ، فرجع مغتماً وبكى أربعين يوماً ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله تعالى يقول إني أستوهبك من عبدي ، فيهبك لي وأجزيه على ذلك أفضل الجزاء ، فسري عنه بذلك ، وكان محزوناً في عمره ، باكياً على خطيئته ، وروي في خبر آخر ، أن داود سمع بني إسرائيل كانوا يقولون في دعائهم يا إلٰه إبراهيم وإسحاق ويعقوب فيستجاب لهم ، فقال لهم داود عليه السلام اذكروني فيهم فقولوا : يا إلٰه إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وداود ، فقالوا : آلله أمرك بهذا ؟ قال لا ، فقالوا : لا نزيد فيهم ما لم يأمرك الله تعالى بذلك ، فسأل داود ربه أن يجعله فيهم ، فأوحى الله تعالى إليه ، وذكر له ما لقي إبراهيم من الشدائد ، وما لقي إسحاق ويعقوب عليهم السلام ، فسأل داود ربه أن يبتليه ببلية لكي يبلغ منزلتهم ، فابتلي بذلك حتى بلغ مبلغهم ، وقال بعضهم هذه القصة لا تصح ، لأنه لا يظن بالنبي مثل داود أنه يفعل مثل ذلك ، ولكن كانت خطيئته أنه لما اختصما إليه ، فقال للمدعي لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فنسبه إلى الظلم بقول المدعي فكان ذلك منه زلة ، فاستغفر ربه عن زلته ، فذلك قوله { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } وقال بعضهم : كانوا اثنين فذكر بلفظ الجماعة فقال ، { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } وقال بعضهم كانوا جماعة ولكنهم كانوا فريقين ، فقال { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني استطال وظلم بعضنا على بعض { فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ } يعني اقض بيننا بالعدل { وَلاَ تُشْطِطْ } أي ولا تجر في الحكم والقضاء ويقال أشططت إذا جرت { وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ } يعني : أرشدنا إلى أعدل الطريق قوله عز وجل : { إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ، وَلِى نَعْجَةٌ وٰحِدَةٌ ، فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } يعني أعطني هذه النعجة ، وهذا قول الكلبي ومقاتل ، وقال القتبي { أَكْفِلْنِيهَا } يعني ضمها إليّ ، واجعلني كافلها { وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ } يعني غلبني في الكلام { قَالَ } داود { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } أي مع نعاجه { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلْخُلَطَاء } يعني من الإخوان ، والشركاء { لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني ليظلم بعضهم بعضاً { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } فإنهم لا يظلمون { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } يعني قليل منهم الذين لا يظلمون ، فلما قضى بينهما داود عليه السلام أحب أن يعرفهما ، فصعد إلى السماء حيال وجهه { وَظَنَّ دَاوُودُ } يعني علم داود ويقال ظن : بمعنى أيقن ، إلا أنه ليس بيقين عياناً لأن العيان لا يقال فيه إلا العلم { أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ } يعني ابتليناه واختبرناه ، ويقال إنهما ضحكا وذهبا فعلم داود أن الله عز وجل ابتلاه بذلك ، وروي عن أبي عمرو في بعض الروايات أنه قرأ ( أَنَّمَا فَتَنَاهُ ) بالتخفيف ، ومعناه ظن أن الملكين اختبراه وامتحناه في الحكم ، وقراءة العامة ( فَتَنَّـٰهُ ) بالتشديد ، يعني أن الله عز وجل قد اختبره وامتحنه بالملكين { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } يعني وخر وقع راكعاً ساجداً { وَأَنَابَ } يعني أقبل إلى طاعة الله تعالى بالتوبة ، وروى عطاء بن السائب عن أبي عبد الله البجلي قال : إن داود لم يرفع رأسه إلى السماء مذ أصاب الخطيئة حتى مات ، وذكر في الخبر أن داود كان له تسع وتسعون امرأة ، فتزوج امرأة أوريا على شرط أن يكون ولدها خليفة بعده ، فولد له منها سليمان وكان خليفته بعده ، يقول الله عز وجل : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذٰلِكَ } يعني ذنبه { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } لقربة { وَحُسْنُ مَـئَابٍ } أي المرجع في الآخرة ، [ وروي أن كاتباً كان يكتب قوله تعالى : وخر راكعاً وأناب وكان تحت شجرة فقرأها وكتبها فخرت الشجرة ساجدة لله تعالى وهي تقول اللهم اغفر بها ذنباً ، وخرت الدواة ساجدة كذلك ، وهي تقول اللهم احطط عني بها وزراً ، وكذلك الصحيفة التي في يده وهي تقول اللهم احدث مني بها شكراً وعن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فَسَجدتُّ فَسَجَدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجراً ، وضع عني بها وزراً ، واجعلها لي عندك ذخراً ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ، قال ابن عباس فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - آية سجدة ثم سجد فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة ، وأيضاً سئل ابن عباس عن سجدة ( ص ) من أين سجدت ؟ قال أما تقرأ هذه الآية { وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاودُ وَسُلَيْمَـٰنَ } ثم قال { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] فكان داود ممن أمر نبيكم أن يقتدي به ، فسجدها داود ، فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتداء به ] ثم قوله عز وجل { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلأَرْضِ } يعني أكرمناك بالنبوة وجعلناك خليفة ، والخليفة : الذي يقوم مقام الذي قبله ، فقام مقام الخلفاء الذين قبله ، وكان قبله النبوة في سبط والملك في سبط آخر ، فأعطاهما الله تعالى لداود ثم قال { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ } يعني بالعدل { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } أي لا تمل إلى هوى نفسك فتقضي بغير عدل ، ويقال لا تعمل بالجور في القضاء ، ولا تتبع الهوى كما اتبعت في بتشايع وهي امرأة أوريا { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني عن طاعة الله تعالى ، ويقال : يعني الهوى يستزلك عن سبيل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني عن دين الله الإسلام { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } يعني بما تركوا من العمل ليوم القيامة فلم يخافوه ، ويقال : بما تركوا الإيمان بيوم القيامة .