Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 21-26)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } أي فأدخله في الأرض فجعله ينابيع يعني عيوناً في الأرض تنبع ، ويقال { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني جارياً في الأرض وهي تجري فيها ، ويقال جعل فيها أنهاراً وعيوناً { ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أحمر وأصفر وأخضر { ثُمَّ يَهِـيجُ } أي يتغير { فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً } أي يابساً بعد الخضرة ، ويقال ثُمَّ يَهِـيجُ يعني ييبس ، ويقال : يهـيج أي يتم ويشتد ، من هاج يهيج ، أي تم يتم فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً متغيراً عن حاله { ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَـٰماً } قال القتبي : حطاماً مثل الرفات والفتات ، وقال الزجاج : الحطام : ما تفتت وتكسر من النبت ، وقال مقاتل : حطاماً يعني هالكاً { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي فيما ذكر لعظة { لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } يعني لذوي العقول من الناس { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } يعني وسع الله قلبه للإسلام ، ويقال : لين الله قلبه لقبول التوحيد { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ } يعني على هدى من الله تعالى وجوابه مضمر ، يعني أفمن شرح الله صدره للإسلام ، واهتدى ، كمن طبع على قلبه وختم على قلبه فلم يهتد ، ويقال : فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ يعني القرآن . لأن فيه بيان الحلال والحرام ، فهو على نور من ربه لمن تمسك به ويقال على نور : يعني التوحيد والمعرفة ، وروي في الخبر أنه لما نزلت هذه الآية : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } قالوا فكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : " إذا دخل النور في القلب انفسح وانشرح قالوا : فهل لذلك علامة ؟ قال : نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " ثم قال : { فَوَيْلٌ } يعني الشدة من العذاب { لّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } يعني لمن قست ، ويبست قلوبهم { مّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } تعالى ويقال القاسية : الخالية من الخير { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي في خطأ بيّن قوله عز وجل { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } يعني أحكم الحديث وهو القرآن ، وذلك أن المسلمين قالوا لبعض مؤمني أهل الكتاب نحو عبد الله بن سلام أخبرنا عن التوراة فإن فيها علم الأولين والآخرين ، فأنزل الله تعالى : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ يعني أنزل عليكم أحسن الحديث وهو القرآن ، ويقال : أحسن الحديث يعني أحسن من سائر الكتب ، لأن سائر الكتب صارت منسوخة بالقرآن { كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } يعني يشبه بعضه بعضاً ولا يختلف ، ويقال متشابهاً يعني موافقاً لسائر الكتب في التوحيد ، وفي بعض الشرائع ، وروي عن الحسن البصري أنه قال : متشابهاً يعني خياراً لا رذالة فيه ويقال متشابهاً : اشتبه على الناس تأويله ثم قال { مَّثَانِيَ } يعني أن الأنباء والقصص تثنى فيه ، ويقال : سمي مثاني لأن فيه سورة المثاني يعني سورة الفاتحة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] ثم قال : { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ } يعني ترتعد مما فيه من الوعيد { جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } ويقال تقشعر منه يعني تتحرك مما في القرآن من الوعيد ، ويقال ترتعد منه الفرائص { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ } يعني بعد الاقشعرار { إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } من آية الرحمة والمغفرة ، يعني إذا قرأت آيات الرجاء والرحمة تطمئن قلوبهم وتسكن { ذٰلِكَ } يعني القرآن ، { هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء } يعني بالقرآن من يشاء الله أن يهديه إلى دينه { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } عن دينه { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يعني لا يقدر أحد أن يهديه بعد خذلان الله تعالى قوله عز وجل { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ ٱلْعَذَابِ } يعني أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب ، وجوابه مضمر ، يعني هل يكون حاله كحال من هو في الجنة ، يعني ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ليسا سواء ، وقال أهل اللغة : أصل الاتقاء في اللغة : الإوتقاء وهو التستر ، يعني وجهه إلى النار كالذي لا يفعل ذلك به ، وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء ٱلْعَذَابِ } يعني يجر على وجهه في النار ، وهذا كقوله : { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِىۤ ءَامِناً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ فصلت : 40 ] ويقال { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ ٱلْعَذَابِ } معناه أنه يلقى في النار مغلولاً ، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَقِيلَ لِلظَّـلِمِينَ } يعني للكافرين { ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } من التكذيب قوله عز وجل { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني من قبل قومك رسلهم { فَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } يعني لا يعلمون ، ولا يحتسبون وهم غافلون { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْىَ } العذاب { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } يعني أعظم مما عذبوا به في الدنيا { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } ولكنهم لا يعلمون .