Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 62-70)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي حفيظ ، ويقال : كفيل بأرزاقهم { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني بيده مفاتيح السموات والأرض ويقال خزائن السموات والأرض وهو المطر والنبات ، وقال القتبي المقاليد : المفاتيح ، يعني مفاتيحها وخزائنها ، وواحدها : إقليد ، ويقال : إنها فارسية معربة إكليد { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني بمحمد - صلى الله عليه وسلم ، وبالقرآن { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } يعني اختاروا العقوبة على الثواب { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونّى } قرأ ابن عامر ، تأمرونني بنونين ، وقرأ نافع ( تَأْمُرُونِي ) بنون واحدة والتخفيف وقرأ الباقون بنون واحدة والتشديد والأصل تأمرونني بنونين ، كما روي عن ابن عامر ، إلا أنه أدغم إحدى النونين في الأخرى وشدد ، وتركها نافع على التخفيف { أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَـٰهِلُونَ } يعني أيها المشركون تأمروني أن أعبد غير الله { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } يعني الأنبياء بالتوحيد { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } أي ثوابك ، وإن كنت كريماً عليَّ ، فلو أشركت بالله ليحبطن عملك { وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } في الآخرة ، فكيف لو شرك غيرك ، فالله تعالى علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشرك بالله ، ولكنه أراد تنبيهاً لأمته أنَّ من أشرك بالله حبط عمله ، وإن كان كريماً على الله { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } أي استقم على عبادة الله وتوحيده ، وقال مقاتل بل الله فاعبد أي فوحد الله تعالى ، وقال الكلبي : يعني أطع الله تعالى ، { وَكُنْ مّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على ما أنعم الله عليك من النبوة والإسلام والرسالة ، ويقال : هذا الخطاب لجميع المؤمنين ، أمرهم بأن يشكروا الله تعالى على ما أنعم عليهم وأكرمهم بمعرفته ، ووفقهم لدينه { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموا الله حق عظمته ، ولا وصفوه حق صفته ، ولا عرفوا الله حق معرفته ، وذلك أن اليهود والمشركين وصفوا الله تعالى بما لا يليق بصفاته فنزل { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } وفيه تنبيه للمؤمنين لكيلا يقولوا مثل مقالتهم ، ويعظموا الله حق عظمته ، ويصفوه حق صفته ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] ثم قال { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي في قدرته وملكه وسلطانه ، لا سلطان لأحد عليها ، وهذا كقوله { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الفاتحة : 4 ] وقال القتبي : في قبضـته : أي في ملكه نحو قولك للرجل : هذا في يدكَ وقبضتك ، أي في ملكك { وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } أي بقدرته ، ويقال في الآية تقديم معناه ، والسموات مطويات بيمينه يوم القيامة أي في يوم القيامة ، ويقال بيمينه ، يعني عن يمين العرش ، وقال القتبي : بيمينه أي بقدرته ، نحو قوله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } [ الأحزاب : 50 ] يعني : ما كانت لهم عليه قدرة ، وليس الملك لليمين دون الشمال ، ويقال اليمين هاهنا : الحلف ، لأنه حلف بعزته وجلاله ليطوين السموات والأرض ، ثم نزه نفسه فقال تعالى { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزيهاً لله تعالى ، يعني ارتفع وتعظم عما يشركون ، يعني عما يصفون له من الشريك { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه سُئِلَ عَنِ الصُّورِ فَقَالَ : " هُوَ الْقَرْنُ وَإِنَّ عِظَمَ دَائِرَتِهِ مِثْلَ مَا بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ فَينفخ نفخة فيفزع الخلق ، ثم ينفخ نفخة أخرى فيموت أهل السموات والأرض ، فإذا كان وقت النفخة الثالثة تجمعت الأرواح كلها في الصور ثم ينفخ النفخة الثالثة فتخرج الأرواح كلها كالنحل ، وكالزنابير وتأتي كل روح إلى جسدها " ، فذلك قوله تعالى { فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } يعني يموت من في السماوات ومن في الأرض { إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } يعني جبريل وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ويقال : أرواح الشهداء ، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : استثنى الله تعالى الشهداء حول العرش متقلدين بسيوفهم وقال بعضهم : النفخة نفختان ، وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ينفخ في الصور ثلاث نفخات ، الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين " ، وهو قوله { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } أي ينظرون ماذا يأمرهم ، ويقال ينظرون إلى السماء كيف غيرت ، وينظرون إلى الأرض كيف بدلت ، وينظرون إلى الداعي كيف يدعوهم إلى الحساب ، وينظرون فيما عملوا في الدنيا ، وينظرون إلى الآباء والأمهات كيف ذهبت شفقتهم عنهم ، واشتغلوا بأنفسهم ، وينظرون إلى خصمائهم ماذا يفعلون بهم { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ } يعني أضاءت { بِنُورِ رَبّهَا } أي بعدل ربها ، ويقال : وأشرقت وجوه من على الأرض بمعرفة ربها ، وأظلم وجوه من على الأرض بنكرة ربها ، وقال بعضهم هذا من المكتوم الذي لا يفسر { وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ } يعني ووضع الحساب ، ويقال ووضع الكتاب في أيدي الخلق في أيمانهم وشمائلهم { وَجِـىء بِٱلنَّبِيّيْنَ وَٱلشُّهَدَاء وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقّ } أي بين الخلق بالعدل ، بين الظالم والمظلوم ، وبين الرسل ، وقومهم { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً { وَوُفّيَتْ } أي وفرت { كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } أي جزاء ما عملت من خير أو شر { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } لأنه قد سبق ذكر قوله وجيء بالنبيين والشهداء ثم أخبر أنه لم يدع الشهداء ليشهدوا بما يعلموا ، بل هو أعلم بما يفعلون ، وإنما يدعو الشهداء لتأكيد الحجة عليهم .